|
| سقوط طليطله والمواجهة في عصر المرابطين/ د.نجدة خماش | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
المعتمد بن عباد Admin
الموقع : اندلسى
| موضوع: سقوط طليطله والمواجهة في عصر المرابطين/ د.نجدة خماش الإثنين ديسمبر 06, 2010 3:23 pm | |
| في سنة 478 هـ، وبعد ما يقارب القرون الأربعة من فتح طارق بن زياد لطليطلة عاصمة القوط حكام شبه الجزيرة الأيبرية، سقطت طليطلة في يد الفونسو السادس ملك ليون وقشتالة. ولم يكن سقوطها عملاً بسيطاً تم إثر معركة، وإنما كان عملاً مخططاً على مدى طويل نسبياً، ولقد تضافرت أسباب وعوامل مباشرة وغير مباشرة ساعدت على سقوطها، منها تعاظم القوى الإسبانية وانتعاشها مستغلة اشتعال نار الحرب الأهلية في الأندلس خلال أواخر عصر الإمارة( ثورة ابن حفصون، ثورة المولدين في الثغور) فحصنت مواقعها في الشمال ثم تجاوزتها باتجاه الجنوب حتى وصلت إلى ضفة نهر دويرة الشمالية، حيث عمدت إلى بناء الحصون، وأضحت القوى الإسبانية مؤلفة من أربع دويلات، دولة ليون في الزاوية الشمالية الغربية، وقشتالة في الوسط الشمالي، وبرزت إمارة البشكنس(دولة نافارة) في السفوح الغربية لجبال البيرنيه، وفي شرقي هذه الجبال، وعلى شاطئ المتوسط حيث مدينة برشلونة، ظلت دويلة الثغر الإسباني التي ارتبطت منذ نشأتها بالكارولنجيين سادة غاليا، وعلى الرغم من انقسام القوى الإسبانية إلى دويلات وتناحرها فيما بينها فقد بقيت تلك القوى عاملاً خطيراً مهدداً لدولة الخلافة الأموية، مما اضطرها لتجريد الحملات ضدها، وكان من نتائج هذه الحملات التي وُجهت إلى الشمال أن هُدّمت تلك المراكز الحصينة التي أقامتها القوى الإسبانية في ضفة نهر دويرة اليمنى، كما نزل العرب المسلمون بعضها الآخر، وأدت هذه الحملات إلى بسط سيادة الخلفاء على هذه الدويلات التي أعلن ملوكها الولاء للخلفاء، وعبّروا عنه بدفع المال، أو تقديم الحصون، أو بكليهما معاً، ولكن على الرغم من ذلك لم يُخضع الخلفاء المنطقة لحكمهم المباشر، وأبقوا للدويلات شخصيتها وحكامها الموالين لهم الذين لم يصل ولاؤهم بالطبع إلى حد التبعية والخضوع التام المباشر للخلفاء، كما هي حال جماعات المستعربين المقيمين على أرض الأندلس. ويرى توينبي أن القوة العربية وصلت الذروة في عمل الخلفاء ضد الإسبان الشماليين، ومع ذلك لم تنهِ السيادة الإسبانية نهائياً من الشمال مما جعل هذه الأعمال-خاصة في عهد الحاجب المنصور- بما أثارته من تحدٍ ورد فعل عليه نقطة الانعطاف في الصدام بين الإسلام والمسيحية خلال العصور الوسطى، وبالتالي البداية نحو المد الصليبي الذي سيمتد من نهر دويرة إلى نهر الأردن وما وراءه :toynbe( aj.astudy of history voi. V111 p. 349/351) كما أن أحداث عصر الخلافة التي أدّت إلى قوة الأندلس وعظمتها وازدهارها حملت في ثناياها عوامل انهيار الخلافة وتمزق المجتمع الأندلسي ووحدته السياسية، فإذا أنهى العصر الصراع الاجتماعي بين عرب ومولّدين ومستعربين، إلا أن الثمن الذي دفعه الخلفاء من أجل تحقيق ذلك كان زوال امتيازات الجند، وهي الطبقة التي كانت إحدى دعائم الحكم الأموي منذ قيامه، وعوّض عنهم الخلفاء بعبيد صقالبة ومرتزقة من قبائل مغربية كوّنوا بمجموعهم طبقة غريبة تراكم الحقد عليها بقدر ما كان عددها يتزايد، وامتيازاتها تكثر وتكبر حتى وصل إلى ذروته في العصر العامري، فقد استكثر الحاجب محمد بن أبي عامر المنصور من العبيد الصقالبة كي يضمن سيطرته، واستدعى جماعات من قبائل مغربية شتى متعادية في أرضها، مما يضمن له عدم إمكانية اتفاقها ضده, وعمد ابنه عبد الملك الملقب بالمظفر, والذي حكم من سنة 392-399هـ, إلى تقريب المحاربين المغاربة أكثر من والده حتى كاد أن يَقصُر مجالسته على رجالهم, ولم يقتصر الاعتماد على هؤلاء الأغراب على المجال العسكري فقط بل تعدّاه إلى المجال المدني, فعين الخلفاء رجالاً من العبيد أو من الأحرار ذوي الأصول المتواضعة, وأبعدوا أسر موالي الأمويين التي كانت ركيزة ثانية للدولة منذ نشأتها في أيام عبد الرحمن الداخل. وأدى النشاط الاقتصادي, في عصر الخلافة, إلى انقسام طبقي بين عِلية القوم الذين تراكمت ثرواتهم وتعاظمت مواردهم, وبين العامة، وبرزت التناقضات جليةَ في قرطبة, فلما قرر عبد الرحمن شنجول ابن الحاجب المنصور الثاني من زوجته ابنة ملك نفاره (سانشو) أن يجبر الخليفة هشام بن الحكم على التنازل عن العرش انطلقت الشرارة التي أشعلت نار الثورة تحالف فيها عوام قرطبة وأحدُ الأمويين من أحفاد الناصر وهو محمد بن هشام بن عبد الجبار، وأفلحت في تحطيم الاستبداد العامري, لكنها أدخلت الأندلس في دوامة الفتنة التي انجلت بعد أكثر من عشرين عاماً 399-422هـ عن زوال الحكم الأموي ووحدة الأندلس وظهور ما يسمى بدول الطوائف, وكان أهمها دولة بني جهور في قرطبة –وبنو عباد في اشبيلية- أما في منطقة الثغور مع الإسبان فقد قامت ثلاث دول أسستها أسر أندلسية عريقة تعود أصولها سواء أكانت عربية أم بربرية إلى زمن الفتح، منها دولة بني النون في الثغر الأوسط طليطلة، والتّجيبون، وبنو هود في الثغر الأعلى سرقسطة، ودولة بني الأفطس في الثغر الأدنى بطليوس. ولعلّ القاسم المشترك بين دول الطوائف التي مرّ ذكرها, أن مؤسسيها سواء كانوا أفراداً أم جماعات كانوا أندلسيين. أما الجماعات العسكرية التي دخلت الأندلس في عصر الخلافة وكانت مغربية أو صقلبية فقد أنشأت كل قوةٍ منها دولةً أو دولاً في منطقة تجمعها أو المنطقة الأقرب من الأندلس لبلادها الأصلية, وهكذا قامت للمغاربة دولة في غرناطة (الدولة الزيرية أو الصنهاجية), ودولة العامريين في شرق الأندلس.ونقصد بها تلك الدويلات التي شادها الفتيان الصقالبة العامريين في شرق الأندلس على طول المنطقة المطلة على المتوسط من طرطوشة حتى المريّة. وكان الصراعَ في الغالب, الجوهر والقاعدة في علاقات ملوك الطوائف بعضِهم ببعض, وربما كان منبعُه طبيعة سلطة كل منهم، إذ كانت سلطة غَلَبة ووضع يد على منطقة معينة ولم تكن منحة أو تعييناً من سلطة عليا تحدد مداها وحدودها, وأضحى كل ملك يهاجم من حوله طمعاً في الاستزادة من الأملاك أو درءاً لخطر ملك آخر يملك قاعدة قريبة من المراكز الحساسة في دولته, ولم يلبث هؤلاء الملوك أن اعتبروا الصراع صراعاً على البقاء, ولم يتورعوا عن استخدام أي وسيلة للخروج منه بنتيجة ملائمة –ولعلّ أهم هذه الوسائل خطراً الاستعانة بملوك أو نبلاء الدويلات الإسبانية الذي مكّن هؤلاء من ابتزاز الجميع أموالاً أول الأمر, وقواعدَ وحواضر في نهاية المطاف. وقد اعتمد ملوك الطوائف لدعم سلطانهم على دعامة من الجند المرتزقة والعبيد, وكان هؤلاء الجنود من عناصر متعددة يأتي في مقدمتها بنو برزال من زِناته, وكان الاعتمادُ عليهم يكادُ يكون عاماً لدى كل الدويلات وخاصة في الجنوب, وقد وصف ابنُ حيان دورهم بقوله: ...وقد حلّوا محل الملح في الطعام ببأسهم الشديد، وقاموا مقام الفولاذ في الحديد فلا يقاتل الأعداء إلا بهم، ولا تعمر الأرض إلا في جوارِهم، فطائفةٌ عند ابن الأفطس تقاوم أصحابها قبل ابن عباد، وطائفة عندنا بقرطبة تحيّز أهلها عن الأضداد، فسبحان الذي أظهرهم ومكّن لهم إلى وقت وميعاد[1]، ووصلت شهرتهم في الحرب إلى حد أن بني زيري الصنهاجيين ملوكَ غرناطة وأصحاب الثأر مع زِناتة عموماً وبني برزال بوجه خاص في المغرب قبل الوصول إلى الأندلس استعانوا بهم أيضاً، كما يقول الأمير عبد الله[2]. كما استُخدِم السودان من قبل الفتيان العامريين على رغم أنهم جنود، ومن قبل الزبيريين أيضاً، وكانوا أوفياء لهؤلاء الزبيريين، فعندما هاجم العبّاديون مالِقَة انفرد السودان بالدفاع عن قضية سيدهم الزيري، ولاذوا بالقصبة عند سقوط المدينة حيث استمروا في المقاومة ريثما وصلت الإمدادات من سيدهم[3]. وكان بين هؤلاء الجند مرتزقة من الإسبان أو غيرِهم من الأوربيين، وقد وصف ابن حيان جيش ابن ذي النون الموجه لاحتلال قرطبة بأنه كان يضم الألوفَ المختلفة الألسن[4].وفي مكان آخر يضيف" ما بين أجنادِه وإمدادِه ذوي ألسنةٍ شتى، وبطارقَ أعزة يُعرِب عنهم التراجمة. أما الأندلسيون فقد بعُد عهدهم بالجندية والجيش منذ إبعادهم التدريجي الذي بلغ ذُروته في عهد العامريين، ومع ذلك فقد كانوا يُحشدون في وقت الخطر الشديد، وقد برز عجزهم واضحاً جلياً، وقُتِل الألوف منهم في الحروب التي جَرَت بين ملوك الطوائف، أو بينهم وبين الإسبان، ومن أمثلة هذه الحالات ما قام به ابن الأفطس بعد هزيمة ساحقة له أمام ابن عبّاد في صراعهما على مدينة يَابُرَة، إذ جمع خصمه فلول جيشه المهزوم، واخرج معهم كل من قَدِر على ركوب دابّة، وحشَرَ من رجال البوادي بعمله خلقاً كثيراً، ولكن الهزيمة حلّت بابن الأفطس مرة ثانية، وكانت الضحايا منهم كثيرة، حتى أن راوية ثقة لابن حيان أفاده أن" بَطَلْيوس بقيت مدة خالية الدكاكين والأسواق من استئصال القتل لأهلها[5]. أما أعداد هؤلاء الجند المعتمد عليهم فلا يمكن التعرفُ عليها بدقة في غياب الإحصاءات لعددها في كل دولة، وللتطورات التي كانت تطرأ عليها، وإنما يمكن التوصل لاستنتاجات عامة من خلال الأرقام التي يوردها مؤرخون ثقات، أو رجال دولة لعدد جنود دولة ما، وذلك في معرض الحديث عن معركة ما. يذكر الأميرُ عبدُ الله الزيري في معرض حديثه عن هجوم تحالف من الصقالبة الأندلسيين ضد بني قومه الزيريين بعدما جمعوا كل قواتهم، فبلغت عدتها أربعةَ آلاف وجابههم بنو زيرى بأقل من ألف[6] , ورغم ما قد يكون في الأرقام من مبالغة نحو الإكثار من عدد الأعداء والتقليل من عدد أبناء القوم لتضخيم حجم الانتصار، فإن النتيجة التي نتوصل إليها هي أن أكبر جيش جُمع في الأندلس أول فترة قيام دول الطوائف لا يزيد عدده عن خمسة آلاف, ويظهر أن أعداد الجند كانت تقل بمرور الزمن، خاصة لدى الدول الممزقة كدولة بني زيرى, فالأخوان عبد الله صاحب غرناطة وافى الحشدَ الإسلامي قُبيل الزلاقة في 300فارس، وأخوه تميم من مالقة بحوالي مائتين[7]، وفي بعض الدول ذات الموارد الضعيفة كدولة بني جهور في قرطبة أضيف إلى قِلّة العدد وهي 200 جندي لدفع الخطر انهيار الهيكل التنظيمي، لدرجة أن رواتبَهم لم تكن مدفوعة ومؤنَهم لم تكن محفوظة، كما يستفاد من روابة ابن حيان وهو الشاهد العيان لذلك من داخل الدولة. لذا يمكن القول أن كثيراً مما يسمى بجيوش ملوك الطوائف هي أقرب إلى العصابات منها إلى جيوش منظمة, وربما كان الاستثناء الوحيد لذلك جند العباسيين, الذين يرتقون إلى مرتبة الجيش، إذ ظهر فيهم الاختصاص فكان منهم مختصون بأعمال الحصار وقد ظهر عملهم عند الاستيلاء على شِلْب 455هـ[8]، فقد دخلوها عنوة بعد هدم سورها بالمجانيق من جهة ونقبه من جهة, كما كان للعبّاد بين أسطولُهم الحربي الذي شارك في الأعمال الحربية مثل دخول الجزيرة الخضراء وتهديد مالقة, وفي أواخر أيام دولتهم لَبّوا دعوة يوسف بن تاشفين لمساعدته في الاستيلاء على سبتة بقواتهم البحرية, وقد وصف ابن بسام هذه السفينة بأسلوبه الأدبي قائلاً: أنشأ المعتمد سفينة ضاهى بها مصانع الملوك القاهرين بَعُد العهد بمثلها شِدّة وسعة بطن وظهر, كأنما بناها على الماء صرحاً مُمّرداً وأخذ بها على الريح ميثاقاً مؤكداً[9]. تجاه هذه التجزئة للسلطة في الواقع الفعلي وانعدام أي رابط بين السلطات في عصر الطوائف نجد أن دول الشمال الإسباني كانت تسير نحو التوحيد على مستويين, في المجال النظري, كان ملوك ليون يعتبرون أنفسهم امتداداً للأسرة المالكة القوطية قبل الفتح العربي الإسلامي، وفي مضمون هذا الاعتبار ما يشير إلى حقهم في حكم شبه الجزيرة الإيبرية كلها كما كان ملوك القوط يحكمون, وإزاء تعدد الدويلات الإسبانية اتخذ مليك ليون لقب إمبراطور وحتى باسيليوس سواء في وثائقه الرسمية أو لدى رعاياه أو لدى ملوك الدويلات الإسباينة. أما على المستوى الفعلي والعملي, فقد كانت الوراثة في هذه الفترة تؤدي في غالب الأحيان إلى ضم تاج أكثر من دولة, وهكذا حكم كل من فرناندو الأول وابنه الفونسو السادس دولتي ليون وقشتالة من 430هـ/1038 إلى 503هـ/1109 [10] وإذا كانت القوى الإسبانية قد استطاعت خلال فترة الثورة الأهلية في عصر الإمارة أن تصل إلى حوض نهر الدويره, فإن حدودهم توسعت باتجاه التاجُه بعد سقوط الخلافة الأموية خلال فترة الفتنة، ونشأت في الأرض الجديدة وبحذاء أراضي دول الطوائف تجمعات بشرية وبينها مجموعات عمرانية دفاعية على قمم المرتفعات, وقد استطاع فرناندو الأول بالإصلاح الجديد الذي طبقه تقوية السلطة الملكية وزيادة عدد المحاربين بأعداد كبيرة, إذ أنه ألغى التوريث في ملكية الإقطاعات وإدارتها وأصبحت منحة ملكية يكون للممنوح لـه حق الانتفاع بها وممارسة السلطات الإدارية والقضائية بها نيابة عن الملك, وقد اعتمد في هذا الإصلاح على النبلاء من طبقة أدنى أو الفرسان بينما كان الكونتات ينتمون إلى النبالة العليا، ولم يقتصر هذا العمل على المنح في الأراضي الجديدة المكتسبة, وإنما أصابت القديمة أيضاً وأزيح بعض النبلاء عن إقطاعاتهم ومنح النبلاء الصغار مناطق شاسعة[11]. وقد حصل في قشتالة أكبر تطوير في هذا النظام إذ زيد في عدد النبلاء الجدد أو الفرسان, ورفع عددهم فيها من 300إلى 600 إن هذا الإصلاح أدى إلى زيادة المحاربين بأعداد كبيرة, لأن الفارس أو النبيل الصغير ليس
[1] -الذخيرة -ق2 م1 ص 12-13. [2] -التبيان ص 62-63. [3] -ابن عذارى ج3 ص 147. [4] الذخيرة ق2 م1 ص 22-23،28. [5] -الذخيرة ق1 م1 ص 362-363. [6] -التبيان ص22 [7] -ابن الأبار-الحلة السيراء ج2 ص100 [8] -ابن عذاري ج3 ص 235-236*296-298 [9] -الذخيرة ق2 م2 ص 127. [10] -diccionario historico espanol.art.fernando 1 vol 2 [11] -ibid,art. Fernando 1 جندياً فرداً وإنما يهرَعُ للحرب مع أتباعه، فهو بمثابة قائدٍ لمجموعة من الجند، ومما لا ريب فيه أن هذا يخلق في وجه مجتمع الطوائف مجتمعاً محارباً متماسكاً مؤلفاً من محاربين يرتبطون بسيدهم الملك ارتباطاً وثيقاً بفعل الإصلاح الجديد في إطار واجبات متبادلة. بالإضافة إلى القوى الإسبانية كان على العرب المسلمين في عصر الطوائف أن يجابهوا هجومياً أوربياً, فالبابوية كانت تنظر للصراع ضمن ميدانه الواسع الذي تدخل فيه إسبانية, وهكذا قام البابا الكسندر الثاني عام 456هـ /1063م أي قبل ثلاثين عاماً من توجه أول حملةٍ صليبية إلى بلاد الشام؛ بتقديم وعد بالخلاص من الخطايا والبراءة من الذنوب لكل من يشارك في حرب صليبية ضد العرب المسلمين في الأندلس, وتجمع جيش أغلبه من الفرنسيين والنورمانديين وانضم إليه فرسان إيطاليون وبعض المحاربين الإسبان من مناطق الشمال[1]. وهاجم معقل بَرْبشْتَر الحصين في منطقة الثغر الأعلى (سرقطة) ورغم المقاومة العتينة فقد دخل المهاجمون البلد عنوة, وقتلوا الآلاف من أهلها. لم يكن هذا أول احتلال لبلد أندلسي لكن كل ما حدث سابقاً كان من قِبَل إسبان ينالون ما ينالون باتفاق مع صاحبه كثمن مساعدة، أو أنهم يتفقون مع طرف من أهله، لذلك كان هذا أولَ احتلال بهجوم من أغراب، كما أن ما حصل فيه من أعمال شنيعة أحدث ردّة فعل في الأندلس، وهذا ما يفسر تقاطر النجدات على المُقتدر بن هود، فاجتمع لديه جيش لم يعرف عصر الطوائف له مثيلاً من قبل في العُدّة والعدد حتى قيل إن فيه ستة آلاف من الرماة، وتمثلت خطة الهجوم عليه بقيام الرماة بالرمي على السور تغطية لعمل النقابين تحته، الذين توصلوا لفتح ثغرة فيه دخلوا منها وأبادوا الحامية كلها تقريباً، والمكونة بحسب قول ابن خلدون من ألف فارس وأربعة آلاف راجل بعد أن بقي في أيدي الروم قرابة سنة كاملة[2]. اختلف التوسع الإسباني على حساب العرب المسلمين فيما يسمى بالريكونكويستا ( حرب الاسترداد أو حرب الاستغلاب) عن التوسع الأوربي، إذ لم يكونوا على وعي ظاهر بالبعد العالمي لصراعهم مع العرب المسلمين، وإنما كان البارز لديهم البعدُ المحلي المتمثل بإيمانهم بأن إسبانيا واحدة تشمل شبه الجزيرة الأيبرية وأنها كانت مسيحية كاثوليكية يحكمها القوط، ويجب أن تعود الآن لحكم ملوك ليون الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم خلفاء ملوك القوط، وقد ظلوا يرددون الفكرةَ ذاتها سواء زمن فرناندو الأول أو ابنه الفونسو السادس، فقد قال الأول لوفد أهل طليطلة:" إنما نطلب بلادنا التي غلبتمونا عليها قديماً في أول أمركم، فقد سكنتموها ما قُضي لكم، ولقد نُصرنا الآن عليكم برداءتكم، فارحلوا إلى عدوتكم واتركوا لنا بلادنا، فلا خير لكم في سكنكم معنا بعد اليوم"[3]. وقال مبعوث ألفونسو كلاماً في نفس المعنى للأمير عبد الله الزيري:" إنما كانت الأندلس للروم في أول الأمر حتى غلبهم العرب"[4]. ثم إن الاستيلاء على الأراضي التي كانت بيد المسلمين كان يحقق لهم هدفاً مادياً لأن ما بيدهم من الجزيرة بحسب قول سفير ألفونسو السادس هو أن العرب ألحقوهم بأنجس البقاع" جليقية"، كما أن نفوسهم شرهت للذهب والمعدن الثمين والنفائس، وحينما شكا أهل طليطلة لفرناندو عجزهم عن تقديم ما يطلبه من مال كان جوابه" لو كُشِفَت سقوفُ بيوتِكم لبرقت ذهباً". من ناحية ثانية رأى الإسبان أن الساعة قد أزفت لتحقيق مطمحهم، إذ زالت هالة المجد والقوة والتقدم التي كانت تحيط بالعرب المسلمين في أذهانهم، فقد قال أحد رؤساء الجند عن أهل قرطبة:" كنا نظن أن الدينَ والشجاعةَ والحقَ عند أهل قرطبة، فإذا القومُ لا دينَ لهم ولا شجاعةَ فيهم ولا عقولَ معهم، وإنما اتفق ما اتفق من الظهور والنصر كان بفضل ملوكهم، فلما ذهبوا انكشفَ أمرهم[5]. وعلى رغم ذلك لم ير الملك الإسباني المواجهة والإجهاز على حكم ملوك الطوائف- كما كانت تستهدف الغزوة الصليبية- وذلك لمعرفة الملك الإسباني بأوضاع شبه الجزيرة أكثر، ولمعرفته بأحوال العرب المسلمين من الداخل عِبر مداخلات قومه معهم، وعبر الأشخاص الذين انتقلوا لخدمته من بلاطات ملوك الطوائف مثل شيشند أو شيشلاند[6]. ولذلك كانت خطته العامة أن يخضعهم للجزية ويضرب بعضَهم ببعض، فيفتقرون هم ويضعفون، ويغنى هو ويقوى، وما بين الحين والآخر يستولي على جزء من بلادهم دون قتال أو تعب. وليس هذا الاستنتاجُ استنتاجَ مؤرخ حديث بعد استقراء الحوادث وسلوك ألفونسو السادس، وإنما ذكرها الأمير عبد الله الزيري المشارك في الأحداث، كما يؤكد بدوره أن هذا ليس استنتاجاً منه وإنما كان سياسة مقررة في بلاط الملك الإسباني بعد مداولات مع رجاله، وقد عبر عن ذلك شيشند بقوله:" ... هــم الآن عند التمـكن طامعين بأخذ ظــلاماتهم، فلا يصح ذلك إلا بضعف الحال والمطاولة حتى إذا لم يبق مال ولا رجال أخذناها بلا تكلف"[7]. تجاه ذلك لم يستطع ملوكُ الطوائف تصوّرَ أو وضعَ خطة مقابلة يلتزمونها، بل كانوا يصرفون سياسة يومية دون آفاق بعيدة، ويجدون ملجأ بالتوكل على فرجٍ يأتي من الله عزّ وجلّ بحسب قول عبد الله الزيري:" فكان الجميع يساير الأمور ويدافع الأيام ويقول: من هنا إلى أن ينفد المال وتهلك الرعايا..يأتي الله بالفرج وينصر المسلمين[8]". وكانت طوائف الثغور قد خضعت لتقديم الجزية منذ أيام فرناندو الأول، وعمم ابنه هذا النظام على كل دول الطوائف، وكان دفع الجزية مرفقاً بحماية ألفونسو لمن يدفع" ووعدَنا أن يحامي عنا كما يحامي عن بلده" وكذلك الاعتراف به كحكَم، فعند عقد اتفاق بين غرناطة وإشبيلية تم العقد بوساطة منه وبضمانته، ثم إنه عُقد العقد بين يديه على ذلك وأنه لا يتعدى منا أحد على صاحبه[9]. ونتيجة لهذه المكانة التي أصبحت لملك إسبانيا تسابق الجميع لنيل الحُظوة لديه عن طريق تقديم الهدايا له، وتقديم ما يحتاجه في وقت الأزمة، فعندما حاصر طليطلة لإعادة يحيى بن ذي النون الملقب بالقادر إليها هاجمه الشتاء وانعدمت الأقوات في معسكره، فهب ملوك الطوائف الآخرين لتزويده بالمؤن[10]. ويبدو أن هذا التقديم كان يتم سراً بينما يُظهر الجميع علناً تعاطفهم مع إخوانهم في الدين أهل طليطلة مما جعل هؤلاء يطمعون في عونهم، لكن ألفونسو اضطر لفضح هذا الأمر كي لا يطول الحصار، فاستسلمت المدينة وخرج منها ابن الأفطس الذي كان قد دخلها إثر فرار القادر يوم النحر سنة 474هـ ما يس 1082م، وعندما استقر المقام بالقادر في طليطلة صرف همه إلى جمع المال وتقديمه إلى ألفونسو لأنه كان قد اتفق معه مقابل مساعدته في استعادة طليطلة على تقديم كل ما في بيت مالها من أموال وأن يسلم إلى ألفونسو حصني سرية( zariat الآن) وقورية( حالياً cantaria ) الأول في شرق المملكة، والثاني في غربها، لكن كل ما جمعه من الناس بالضغط والإكراه وما أضافه من الحلي والنفائس لم يرضِ الملك الإسباني، ثم تمَّ الاتفاق على أن يأخذ الملك الإسباني المال المتوفر ويؤجل استيفاء الباقي إلى أن يتوفر، ويحتفظ بحصن قنالِش الواقع على الحدود مع مملكة سرقسطة ضمانة لذلك.
[1] -read the moono in spain and partogalp.10. [2] - ابن عذاري ج3 ص 282. [3] -ابن عذاري ج3 ص 282. [4] -التبيان ص 73. [5] -ابن عذاري ج3 /290. [6] -ظهر أيام المعتضد بن عباد وسفر بينه وبين فرناندو ملك قشتالة، ثم نزح إلى جليقية وخدم فرناندو ثم من بعده ابنه ألفونسو. [7] -التبيان ص 76. [8] -التبيان ص76. [9] -التبيان ص 76-77. [10] -الذخيرة ق4 م1 ص128. يتبع
عدل سابقا من قبل المعتمد بن عباد في الإثنين ديسمبر 06, 2010 3:29 pm عدل 1 مرات | |
| | | المعتمد بن عباد Admin
الموقع : اندلسى
| موضوع: رد: سقوط طليطله والمواجهة في عصر المرابطين/ د.نجدة خماش الإثنين ديسمبر 06, 2010 3:25 pm | |
| انسحب الملك الإسباني إلى بلاده إثر ذلك، بعد ما شحن الحصون الجديدة التي حصل عليها بالرجال والأغذية، وترك القادر ليتلقى وحده الهجمات عليه من قبل ابن عباد من الجنوب والجنوب الغربي وملوك سرقسطة من الشمال والشمال الشرقي، إضافة إلى المعارضة الداخلية التي لم تهدأ، ويظهر أن ألفونسو لم يحاول أن يقدم له أية مساعدة كي يصل القادر إلى حالة من الضعف يجعل سقوطَ المدينة بيده أمراً سهلاً، مع أن وزيره شيشند أو شيشلاند حاول إقناعه بعدم الإسراع في الاستيلاء على طليطلة لأنه لن يجد عمّالاً أطوع من ملوك الجزيرة، وانه إذا أبى إلا الإلحاح عليهم والتسرع بالمكروه إليهم، أحوجهم إلى مداخلة سواه، ولكن ألفونسو لم يأخذ بنصيحة وزيره لأنه كان واثقاً على ما يبدو من أن المدينة أصبحت في يده بعد أن أخذ بمَخْنَقِها من هذه الحصون المحيطة بها، بدليل أنه تفاوض مع البابا على أساس إعادة مرتبة أسقفية طليطلة التي زالت منذ تحطمت دولة القوط. وقد سارت الأمور كما يشتهي ألفونسو السادس إذ اقتنع القادر بعجزه عن دفع خطر الأعداء في الداخل وهجماتهم من الخارج، فاتفق مع ألفونسو سراً على المجيء لأخذ المدينة وتعويضه عنها ببلنسية، وتقدم ألفونسو ليحاصر المدينة ويقطع عنها الإمدادات والاتصالات من كل جهة، وليغير على نواحيها ليُفسد مزروعاتها، وقاوم أهل المدينة الحصار قرابة عام، وحل الشتاء قاسياً، وفُقدت الأقوات لدى القوى المُحاصَرة فأسقط في يدهم وسلمت المدينة في 27 محرم 478هـ./20 مايس 1085م، ونُقل القادر إلى مقر القيادة العسكرية الإسبانية، بينما نال المحاصَرون شروطاً للاستسلام تنص على الأمان في الأنفس والأموال والعيال على أن يدفع كل منهم مالاً مقدّراً على رؤوس ما عندهم من الأشخاص، كما مُنحوا حرية البقاء لمن يشاء، والرحيل لمن أراد على أن يكون للراحل الحق باستعادة أملاكه إذا رغب في العودة بعد ذلك[1]. وهكذا ارتدت طليطلة إلى النصرانية بعد أن حكمها المسلمون 385 سنة هجرية، ومنذ ذلك الحين تغدو طليطلة حاضرة مملكة قشتالة، ويغدو قصرها منزلاً للبلاط القشتالي. كان من نتائج سقوط طليطلة أن زادت قوة الإسبان، وزاد اختلال ميزان القوى في شبه الجزيرة، ويمكن تحديد أبعادِ القوة التي أُضيفت للإسبان من ملاحظة سِعة المنطقة التي ضموها، والتي يشير إليها ابن الكردبوس بقوله:" ولما حصل الطاغيةُ ألفونس بطليطلة شمخ بأنفه ورأى أن زمام الأندلس قد حصل في كفه، فشن غاراته على جميع أعمالها، حتى فاز بجميع أقطار ابن ذي النون، وذلك ثمانون منبراً سوى البنيان والقرى المعمورات[2]. على أن الأهمية لم تكن تكمن في سعة المنطقة فحسب وإنما في الموقع الجغرافي الذي تحتله، وأثره على متابعة عملية الاسترداد( الريكونكويستا). فقد أصبحت حدود ملك إسبانيا تضم حوض التاجُه كلّه من الشمال والجنوب كما تضم أعالي وادي آنة الذي يقود إلى عاصمة بني الأفطس, أما من جهة الجنوب فقد أصبح على السفوح الشمالية لجبال سبير مورينا (جبال قرطبة حسب التسمية العربية) التي بقيت الحاجز الوحيد بين الإسبان وحوض الوادي الكبير حيث تقع قرطبة وإشبيلية حاضرتا دولة بني عبّاد أكبرُ دولة من دول الطوائف. ولما كان الملك الإسباني يدرك أن الفقر في العنصر البشري هو نقطة الضعف الأساسية عنده فقد حاول جاهداً أن يُبقي في طليطلة أكبر عدد من سكانها وخاصة في الريف فوزع عليهم مائة ألف دينار[3]، كما حاول اكتساب قلوب رعية الملوك الطوائف, إذ اعتبر نفسه ملكاً للجميع وكان اسمه يقدم للأندلسيين "الأمبراطور ذي الملتين, ويعلن رسلهُ باسمه أنه المنقذ والمُخلص يريد أن يحرر الناس من هؤلاء الملوك، لأن أي واحد منهم لا يرفع عن رعيته ضيماً ولا حيفاً, وقد أظهروا الفسوق والعصيان, واعتكفوا على المغاني والعيدان[4] وإذا كانت سياسة الفونسو قد وجدت نجاحاً لدى بعض أشرار المسلمين وأرذالهم الذين انضموا إليه وارتدوا عن الإسلام[5] فإن الدور الجديد والتظاهر بتخليص الناس من ظلمهم لم يلق لدى الفقهاء حتى من غير أتباع الملوك أذناً صاغية فقد بدؤوا يشعرون بأن التقدم الإسباني ليس احتلالاً للأرض والبلاد، وإنما قتلاً للعقيدة الإسلامية وقد كان الشعور عاماً بخطورة الحدث ونتيجته على مصير الوجود العربي الإسلامي في الأندلس, كما كان الإدراك عميقاً لأهمية موقع مملكة طليطلة المتوسط في شبه الجزيرة الذي يجعل لسقوطها أثر أكبر من سقوط مدن أخرى، وقد عبّر الأمير عبد الله عن ذلك بقوله: فوقع من ذلك في الأندلس رجَةٌ عظيمة، وأُشرب أهلها خوفاً وقطع رجاء من استيطانها[6] ، ولخص الشاعر مخاوف أهل الجزيرة بشكل أدق وذلك بقوله:
حُثوا رواحلكم يا أهل أندلس السلك يُنْثَرُ من أطرافه وأرى من جاورَ الشرَّ لا يأمن عواقِبهُ
ج | | فما المقام بها إلا من الغلط سلك الجزيرة منثوراً من الوسطِ كيف الحياة مع الحيّات في سَفَط ج | أما بالنسبة لملوك الطوائف فلم يبعد لأحد شك في أن الفونســــــو قد غير سياسته؛ وأنه لم يعد يكتفي بالمال السنوي وإنما يريد البلاد أيضاً, وأدى هذا الأمر بالملوك وخاصة الذين توجه نحوهم الفونسو السادس بعد سقوط طليطلة إلى الحذر والتشدد, وكان الصدام الأهم مع ابن عباد كبير ملوك الطوائف إذ طلب الفونسو من ابن عباد أن يتخلص عن معاقل كان الموت عنده أولى من إعطائها, وتحدد الرواية التي يوردها ابن الأثير موقع المعاقل هذه وتقول إنه أرسل إليه الضريبة على عادته فردّها عليه ولم يقبلها منه، وأرسل إليه يتهدده ويتوعده أن يسير إلى مدينة قُرطبة ويتملكها؛ إلا أن يسلم إليه جميع الحصون التي في الجبل ويبقى السهلُ للمسلمين[7], وهذا الطلبُ يذكّر بما أخذ من ابن ذي النون قبلاً من المعاقل وكان تمهيداً لأخذ طليطلة, فكان رد المعتمد صارماً إذ قتل رئيس البعثة اليهودي الذي كان قد أغلظ له في القول وشافهه بما لم يحتمله, واستفتى الفقهاء فيما فعل فبدَرَه الفقيه محمد بن الطلاّع الذي يصفه ابن بشكوال بأنه بقية الشيوخ الأكابر في وقته وزعيمُ المفتين بحضرته, بالرُخصة في ذلك لتعديه في حدود الرسالة على ما يستوجب به القتل، إذ ليس له أن يفعل ما فعل, وقال للفقهاء زملائه (إنما بدرت بالفتوى خوفاً أن يكسل الرجلُ عما عزم عليه من منابذة العدو عسى الله أن يجعل في عزيمته للمسلمين فرجاً)[8]. ويبدو أن الفقهاء كانوا يعيشون ربما أكثر من غيرهم حالة الغليان التي عَمّت الأندلس إثر سقوط طليطلة؛ بدليل أن أولئك الصامتين منهم في السابق قد انطلقوا للقيام بمبادرة مستقلة عن الملوك حينما اجتمعوا إلى قاضي الجماعة بقرطبة عبيد الله بن أدهم, وتداولوا في شأن وسيلة الإنقاذ التي وجدوها غير متوفرة في الأندلس وحدها, ولا تتهيأ إلا بمعونة إخوانهم من خارجها, وقد رأى فريق منهم الاستعانة بالقبائل العربية من سُليم وهلال التي عبرت المغرب الأدنى من الشرق وأثبتت شِدة مراس في الحرب وقدرةً في القتال, واقترحوا دعوتهم للدخول إلى الأندلس, والبذلَ لهم ومقاسمتَهم الأموال والمجاهدةَ معهم, ولكن قاضي الجماعة في قرطبة عارض الرأي لأن دخول هؤلاء سيؤدي لإيقاع الخراب ربما لأنهم عشائرُ لا ضابط لهم ولا قيادة, وفضّل على هذا الاقتراح رأياً آخر يقول بدعوة المرابطين[9] منذ اقتراب المرابطين من المضيق وسيطرتهم على طنجة, كانت وفود الأندلسيين ترد على المرابطين من جهات ثلاث أولُها من المتوكل بن الأفطس الذي ضغظ الإسبان على جهات بلاده الشمالية, فأخذوا شنترين وقلُمريّة، لكن الأدهى بالنسبة له ما أخذه من مملكة طليطلة عند مداخلة الفونسو السادس للقادر بن ذي النون واستلابه منه حصني سريةzanita وقورية، وقد أرسل رسالة عند أخذ الحصن الأول ورسالة ثانية عند أخذ الحصن الثاني الشديد الخطر عليه؛ لأنه رأسُ طريقٍ يؤدي رأساً إلى عاصمته بَطَليوس، كما ظهر ذلك جلياً في معركة الزّلاّقة، لذلك كانت دعوته ليوسف بن تاشفين للقيام بالجهاد. أما الجهة الثانية فكانت من مالقة في جنوب الأندلس، حيث اتصل الأمير تميم بن بلقين بيوسف بن تاشفين كي يستعينَ به على أخيه ملكِ الدولة الزيرية، والذي هضم حقهُ في أمر وراثة جَدّه، أي أن تميماً هذا رأى في قوة يوسف بن تاشفين المجاورة ما رأته دول الطوائف في الشمال في قوة الملوك الإسبان[10]. وكانت الجهة الثالثة زعماء الرعية من الفقهاء، يمثلهم عبد الرحمن بن أسباط الذي التحق بيوسف بن تاشفين منذ سنة 472هـ وأوضح له أمور الأندلس وأصبح منذ ذلك الوقت بمثابة المستشار لشؤونها[11]. ومما لا ريب فيه أنه يمثل الرأيَ السيء في ملوك الطوائف. أدرك ابن عباد أن المرابطين سيدخلون بدعوة منه أو بدونها لتوفر تيار قوى لدعوتهم، لذلك قام باستلام زمام المبادرة، ورأت ملوك الطوائف بالأندلس ما عزم عليه من ذلك فمنهم من كتب له ومنهم من شافهه، وكلهُم يُحذّر سوء العاقبة وقالوا له: الملك عقيم والسيفان لا يجتمعان في غِمد، فأجابهم ابن عباد بكلمته السائره ومؤداها أنه يفضل رعي الإبل في الصحراء على رعي الخنازير في قشتالة، وقال لعذّاله ولوّامه، يا قوم أنا من أمري على حالين، حالة يقين وحالةُ شك ولا بُدّ لي من إحداهما، أما حالة الشك فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى ابن فردناند، فمن الممكن أن يفي لي ويُبقي علي ويمكن أن لا يفعل فهذه حالة شك، وأما حالة اليقين فهي أني إذا استندت إلى ابن تاشفين فأنا أُرضي الله، وإن استندت إلى ابن فردناند أَسخطتُ الله، فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأي شيء أدع ما يُرضي الله وآتي ما يُسخِطه، حينئذ أقصر أصحابه عن لومه. فلما قرر المعتمد الاستنجاد بيوسف خاطب المتوكل عمر بن محمد صاحب بطَليوس, وعبد الله بن حبوش الصهناجي صاحب غرناطة وأمرهما أن يبعث إليه كل واحد منهما قاضي حضرته، ثم استحضر قاضي الجماعة بقرطبة أبا بكر عبيد الله بن أدهم, وأضاف إليه وزيره أبا بكر بن زيدون، وعرّفهم أربعتهم أنهم رسله إلى يوسف بن تاشفين، وأسند إلى القضاة ما يليق بهم من وعظ يوسف وترغيبه في الجهاد، وأسند إلى ابن زيدون ما لابد منه في تلك السفارة من إبرام العقود السلطانية, ولما انتهت الرسل إلى ابن تاشفين أقبلَ عليهم وأكرم مثواهم وجددوا الفتوى في حق صاحب سبتة, وكان يوسف قد قتل أمير دولة برغواطة سَقّوت وقد استولى على طنجة ولكنه وقف عاجزاً أمام قاعدتهم سبتة, ولم يستطيع القضاء على مقاومتهم واستخلاص مدينتهم من يد أميرها المعز بن سقوت إلا بالتعاون بين أسطوله والأسطول العبّادي [12]. واتُفِق في المفاوضات التي جَرَت مع يوسف بن تاشفين على مبدأ دخوله للأندلس، ومشاركته في الجهاد لصد الأعداء دون أن يحاول التدخل في شؤونهم الداخلية, وهو أمر أوضحه الأمير عبد الله في مذكراته بقوله: وعاقدنا أميرَ المسلمين على أن تتصل الأيدي على غزو الروم بمعونته وألا يعترض لأحد منا في بلده، ولكن مستشاره عبد الرحمن بن أسباط أشار عليه بأن يأخذ ضمانات لسلامة عمليات جيشه, وذلك بأخذ الجزيرة الخضراء لتكون قاعدة لحشده ومرسى لتأمين اتصاله معه في الأندلس[13]. نزل أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ثغر الجزيرة الخضراء في منتصف ربيع الأول 479هـ حزيران 1086م وجيوشه تحيط به من كل صوب، وما كاد يطأ بقدميه أرضَ الأندلس حتى سجد لله شكراً، ثم أخذ في تحصين الجزيرة وإصلاح أسوارها وأبراجِها، ورتبَ لها حامية من جنده، ثم سار في قواته صوب إشبيلية حتى تلقاه المعتمد بن عباد؛ وقدّم له الضيافات وأقام في أشبيلية ثلاثة أيام, وكان يوسف قد كتب في أثناء ذلك إلى سائر ملوك الطوائف يدعوهم إلى اللحاق به والمشاركة في الجهاد في سبيل الله، فكان إن لبّى دعوته عبد الله بن بلقين صاحبُ غرناطة وأخوه تميم صاحبُ مالقه, واعتذر المعتصم بن صمادح صاحب المرية بضعفه وكبر سنه وتوجسه من عدوان النصارى في حصن لبيط (اليدو) وبعث ابنه معز الدولة في فرقة من جنده, ثم سار أمير المسلمين في جيوشه ومعه ابن عباد في قوات إشبيلية وقرطبة؛ وقصدوا بطليموس فلقيهم أميرها عمر المتوكل على مقرُبة منها وقدّم لهم المؤن والضيافات الواسعة, وانتظمت القوات الأندلسية إلى وحدة قائمة بذاتها يتولى قيادتها ابنُ عباد واحتلت المقدمة, واحتلت الجيوش المرابطيه المؤخرة، وانقسمت إلى قسمين, الأول يضم فرسان البربر من سائر القبائل بقيادة داود بن عائشة أبرع قواد البربر؛ ويتولى يوسف قيادة الجيش الاحتياطي المؤلف من نخبة أنجاده المرابطين من لمتونه, ومسوفه وجدّاله وغيرهما من القبائل البربرية. وانتهت الجيوش الإسلامية في سيرها إلى سهل يقع 12كم شمالي بطَليوس على مقربة من حدود البرتغال الحالية وتسميه الرواية العربية بالزلاقة sagrajas. وكانت أنباء عبور المرابطين إلى شبه الجزيرة قد وصلت إلى الفونسو السادس وهو محاصرٌ لسرقطة, فترك الحصار على عجل، وبعث إلى سانشو راميرز ملك أراغون يستدعيه لإنجاده، وكان يومئذ قائماً بحصار طرطوشة, وبعث كذلك إلى أمراء ما وراء البرينية وحشد كل ما استطاع حشده من قوات حليقيه واشتوريش ونفارا, واستدعى قائده البار هانيس بقواته من بلنسية وتقاطرَ إليه سيلٌ من الفرسان المتطوعة من جنوبي فرنسا وإيطالية[14], واعتزم الفونسو أن يلقى الأعداء بأرضهم وقال لأهل وده ووزرائه: (أني رأيت إن أمكنْتُهم من الدخول إلى بلادي فناجزوني بين جدرها ربما كانت الدائرةَ علي فيكتسحون البلاد ويحصدون من فيها في غداة واحدة, ولكن اجعلُ يومهم معي في جَوز بلادهم؛ فإن كانت علي اكتفوا بما نالوه ولم يجعلوا الدروب وراءَهم إلا بعد أهبة أخرى, فيكون في ذلك صونٌ لبلادي وجبرٌ لمكاسري, وإن كانت الدائره عليهم, كان مني فيهم وفي بلادهم ما خفت أنا أن يكون منهم في وفي بلادي إذا ناجزوني في وسطها). ووافت الجيوش كلها الزلاّقة, وأذكى المعتَمدُ عيونه في محلات الصحراويين خوفاً عليهم من مكايد الفونسو، إذ هم غرباء لا علم لهم بالبلاد، وجعل يتولى ذلك بنفسه, وقبل المواجهة طلب المرابطون على عادتهم في اتباع الشرع في هذه المناسبات الجزية أو الإسلام أو القتال, وكان رد الفونسو بالطبع الخيار الأخير, واتفق الجميع على يوم محدد للقتال, إذ كتب ألفونسو إلى المعتمد يوم الخميس يقول له: إن غداً يوم الجمعة وهو عيدُكم وبعده السبت يومُ اليهود وهم كثير في محلتنا وبعده الأحد وهو عيدنا, فيكون اللقاء يوم الإثنين, وقد أدرك ابن عباد ويوسف خديعته, وجاءت طلائع المعتمد في الليل تنبئ أن معسكر النصارى في حركة وضوضاء وجلبةِ أسلحة مما يدل على استعداد القوم لبدء القتال, ومن ثم فقد لبث المسلمون على أهبتهم حذرين متحفزين[15], وأفقدوا ألفونسو عامل المفاجأة, واستهدف الفونسو في هجومه القوة الأكثر خبرةً بالأرض ولكنها الأضعفُ قوةً والتي اعتاد جندهُ التغلبَ عليها وهي قوة الأندلسيين, واستطاع تمزيق صفوفها بالهجوم فلم يثبت له سوى القلب بقيادة المعتمد, رد يوسف بن تاشفين بإرسال المدد للقوة الأندلسية الباقية في المواجهة ليجعلها مستمرةً في الصمود بينما قام هو بمهاجمة قاعدة أو محلة الفونسو من الخلف وأضرم فيها النيران واحتجن ما استطاع من عدة, وسبى من وجد فيها من نساء, واضطر بذلك الفونسو أن يحارب على جبهتين من الأمام والخلف واستمرت المعركة نهاراً كاملاً من بزوغ الفجر إلى حلول الظلام من يوم الجمعة 12رجب 479هـ 23تشرين الأول 1086م, وانتهت بتسلل الفونسو السادس مع بضع مئات من جنده. لم يحاول يوسف بن تاشفين وحلفاءه الأندلسيون استغلال نصرهم بمطاردة العدو داخل بلاده؛ والزحفِ إلى أراضي قشتالة, بل لم يحاولوا السير إلى طليطلة لاستردادها، ولو بذل المرابطون هذه المحاولة في الوقت الذي تحطم فيه جيش الفونسو لكُللت بالنجاح بلا ريب. وقد قيل في ذلك أن ابنَ عباد نصح أميرَ المسلمين بمطاردة ملك قشتالة والقضاء على فلوله، فأبى ابنُ تاشفين واعتذر بأن قال: إن اتبعناه اليوم لقي في طريقه أصحابنا المنهزمين راجعين إلينا منصرفين فيهلكهم, بل نصبرُ بقية يومنا حتى يرجع إلينا أصحابنا ويجتمعون بنا ثم نرجعُ إليه ونحسم داءَه, وتكلم الناس في اختلاف ابن عباد وابن تاشفين, فقالت شيع ابن عباد, لم يخفَ على يوسف أن ابن عباد أصاب وجهَ الرأي في معالجته لكن خاف إن يهلكَ العدوُ الذي من أجله استدعاه فيقع استغناء عنه, وقالت شيع يوسف, وإنما أراد ابن عباد قطع حبال يوسف من العودة إلى جزيرة الأندلس، وقال آخرون: كلا الرجلين أسرّ حسواً في ارتغاء (يضرب مثلاً لمن يظهر أمراً ويريد غيره) وإن كان رأي ابن عباد أحرى بالصواب. إذا تركنا جانباً نتائج المعركة من ناحية القتلى والغنائم التي لا يمكن تصورَ اتفاق في المصادر حولها إلا في طابع المبالغة الذي يسودها, نرى أن المعركةَ ذاتَ أهمية كبرى من نواحٍ متعددة, فقد كانت أولَ انتصارٍ، أو على الأقل أولَ نجاح من هذا النوع منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن, ثم إنها أوقفت مد الإسبان الشماليين نحو الجنوب في مجالي ضم الأراضي أو فرص السيادة المعبر عنها بدفع الجزية, كذلك رفعت هذه المعركة من معنويات المسلمين ومكانة المعتمَد بن عباد الذي تحمل وصمد للهجمة المعادية دون سائر الأندلسين, لكن أعظم تألقٍ كان من نصيب يوسف بن تاشفين والمرابطين إذ بهم انتهت الهزائم وبدأت الانتصارات.
[1] -ابن الكردبوس-الاكتفاء في أخبار الخلفاء، القسم الخاص بالأندلس- تحقيق أحمد مختار الصادي ص 81-82.ابن بسام: الذخيرة ق4 م1 ص 125-132.[2] -ابن الكردبوس ص87.[3] -ابن الكردبوس ص91[4] - ابن الكردبوس ص89.[5] - ابن الكردبوس ص103-104[6] -التبيان ص 101.[7] -ابن الأثير ج8 ص 138.[8] -الحميري: الروض المعطار ص 288.[9] -ابن الأثير ج8 ص 141.[10] -التبيان ص 102.[11] -ابن الخطيب ج4 ص 350.[12] -ابن أبي الزرع: روض القرطاس ص 143.[13] -التبيان ص 117.[14] -r.m.pidal. la espana del cid pp. 331-332.[15] - الحلل الموشية ص 39. الروض المعطار ص 92. | |
| | | المعتمد بن عباد Admin
الموقع : اندلسى
| موضوع: رد: سقوط طليطله والمواجهة في عصر المرابطين/ د.نجدة خماش الإثنين ديسمبر 06, 2010 3:28 pm | |
| عاد يوسف بن تاشفين إلى المغرب عقب موقعة الزلاقة في شعبان 479هـ, بعد أن أوصى ملوك الطوائف بضرورة توحيد الكلمة لصد الأعداء, كما أنه حرص على الظهور بمظهر الزاهد في ملك الأندلس وغنائمها والمتمسك بالاتفاق مع ملوك الطوائف من ناحية عدم التدخل في شؤونهم الداخلي،ة وذلك بسرعة خروجه من الأندلس, ولكن شؤون الأندلس بقيت تلاحقه, فقد عادت كتب أهل الأندلس ووفودُهم عليه, تستجير به, وكان الصريخُ هذه المرة آتياً بالأخص من أهل بلنسية ومَرسية ولورقة, كانت شؤون شرقي الأندلس يومئذ قد سادها الاضطرابُ من جرّاء تدخل القشتاليين في شؤون بلنسية وسيطرتهم عليها عن طريق صنيعتهم القادر بن ذي النون, كما أن الفونسو السادس إثر استيلائه على طليطلة قد بعث قواته إلى الأندلس الشرقية لتغير عليها وتُعيث في أراضيها، فاجتاحت المنطقة الواقعة بين مرسيه ولورقة، وعمد القشتاليون لكي يبسطوا قبضتَهم على تلك المنطقة إلى إنشاء حصن ضخم وافر المناعة في مكان يسمى aledo وتسميه الرواية العربية حصن لييط، وشحنوه بالسلاح والمقاتلة، واتخذوه قاعدةً للإغارة على أراضي مرسيه والمرية، وبثوا فيها الرعب والروع، وعجزت القوات الأندلسية المحلية عن رد عدوانهم، فتوالت كتبهم ورسلهم على أمير المسلمين في طلب الإنجاد والغوت, عبر يوسف إلى الأندلس في قواته في ربيع الأول سنة 481هـ حزيران 1088م بدعوة من المعتمد صاحبُ السيادة الشرعية على مرسية ولورقه؛ الذي تلقاه في الجزيرة الخضراء بالمؤن الوفيرة, وبعث يوسف بكتبه إلى ملوك الطوائف ورؤسائهم يستدعيهم للجهاد وأن يوافوه بقواتهم عند حصن لييط, دام الحصار أربعة أشهر دون طائل وانتهى بما يشبه الفشل،وشعر أميرُ المسلمين من جراء ذلك بخيبة الأمل، كما شعر باستياء بالغ لما شاهده من أحوالِ أمراء الأندلس المشاركين في الحصار، فقد كان الخلاف والوقيعةُ على أشدهما بين أولئك الأمراء الطامعين المتنابذين، وحينما بلغه أن الفونسو يتقدم نحو الحصن رفع الحصار وقرر العودة، وحينما وصل الفونسو إلى الحصن وجد قلة من الحامية فحملهم معه، وتقدم ابن عباد فاحتله بعد إخلائه. مما لا شك فيه أن فشل يوسف بن تاشفين في اقتحام الحصن كان صدمة له, وقد ردّ سببها لقصور ملوك الطوائف وتناحُرِهم, وبدأ تغيره عليهم منذ عودته, وخلال ما يزيد على سنة من إقامته في المغرب؛ نضجت فكرة القضاء على دول الطوائف في ذهن يوسف, وكان الهدف المثالي والمُعلَن والواضح أن فُرقةَ ملوك الأندلس وانشغالَهم بمنازعاتهم وبترفهم سيضيع الأندلس, وربما كان لقواده وللفقهاء دور في إيصال يوسف إلى هذا القرار, فالقواد كصحراويين بُهروا بحضارة الأندلس وبما احتوته أيدي ملوكها من كنوز وذخائر وتحف، ورأوا أنهم أحقُ بها منهم لأنهم يجاهدون ويدافعون عنها, كما أن يوسف ذاته لم يخلُ من تأثر بروعة هذه الحضارة؛ حتى إن إحدى الروايات تنسب إليه قولَه: "كنت أظن أني قد ملكت شيئاً, فلما رأيت تلك البلاد صَغُرَت في عيني مملكتي، فكيف الحيلةُ في تحصيلها"[1] أما الفقهاء من أعداء ملوك الطوائف فقد كانوا أشد الناس تحريضاً ليوسف على الملوك لخلعهم وإقامة حكومة شرعيةٍ مكانهم, وقد أصدروا له الفتاوى بجواز محاربة ملوك الطوائف.كانت دولة الزيريين أول هدف ملائم من الناحية الجغرافية لصلاحها كقاعدة واسعة لانطلاق قوى المرابطين شرقاً وغرباً وشمالاً ولجأ يوسف بن تاشفين لملاقاة ملوك الطوائف فُرادى مستغلاً أطماعهم بأملاك بعضهم, لذا وعد المعتمد بغرناطة 483هـ بعد احتلالها، وبعد حصار دام شهرين استسلمت غرناطة سنة 483هـ، ولكنه لم يسلمها للمعتمد الذي أدرك أنه سيكون التالي، وبالفعل دخل المرابطون إشبيلية بعد سنة من سقوط غرناطة 484هـ, وفي سنة 487هـ استولى المرابطون على بطَليوس وقتلوا ابن الأفطس مع ولديه نظراً لعلاقاته مع الإسبان وتفريطه بالأراضي لمصلحتهم.بعد تحطيم دول الطوائف في الجنوب والغرب من الأندلس, توقف المرابطون أمداً عن التعرض لدول الطوائف الأخرى، وأكبرها دولة بني هود في سرقسطة حيث حكمها في هذه الفترة المستعين أحمد بن المؤتمن الذي اتبع سياسة المسالمة مع المرابطين ومع القوى الأسبانية المحيطة به, أرغوان, قشتالة، برشلونة, وقد راسل يوسفَ بن تاشفين قائلاً: "نحن بينكم وبين العدو سدٌّ لا يصل إليكم منه ضرر... وقد قنعنا بمسالمتكم فاقنعوا منا بها إلى ما نُعينُكم به من نفيس الذخائر"[2] تظاهر المرابطون بقبول عرض ابن هود لأن البلاد الإسبانية تحجزهم عنه, وليس لهم سبيل للوصول إلى بلاده إلا عن طريق شرق الأندلس التي لم تكن قد خضعت لهم بعد, يضاف إلى ذلك أن بلاده متداخلة وسط أعدائهم وتفتح عليهم جبهات عدة، لكل ذلك تأخّر القضاء على دولة سرقسطة حتى عام 503هـ بعد أن سيطر المرابطون على بلنسية سنة 494هـ وشرق الأندلس.استمر حكم المرابطين في الأندلس قرابةَ نصف قرن, كان النصف الأول منه فترة استقرار في المجال الداخلي، وقوةً على الصعيد الخارجي. وبدأ الانحدار بين سنتي 510و 520هـ باهتزاز قواعد الاستقرار في الداخل, وفقدان التفوق المرابطي على الإسبان في المجال الخارجي وبعد سنة 520هـ صار التدهور يتعاظم داخلياً بتكاثر الثورات في داخل المغرب والأندلس على السواء، واتساع نطاقها حتى أتت على الدولة.قام المرابطون خلال السنوات العشر الأولى من حكم علي بن تاشفين 500-537هـ بأعمال هجومية عدة في وسط شبه الجزيرة، كانت موجهة كلها على ما يبدو لتحقيق هدف استعادة مملكة طليطلة وتحرير حوض التاجُه، وقد أحرزت نجاحات عدة؛ وإن أخفقت في تحقيق الهدف النهائي, وكان من أهم هذه النجاحات التي حققها المرابطون المعارك التي دارت حول المدينة (قليش الحصينة سنة 501-502هـ) والتي حشد لها المرابطون الجند من جميع المدن الأندلسية، منهم جند نظاميون وآخرون متطوعون, وتلقت المدينة بدورها أمداداً بجيش ضخم يضم سبعة آلاف فارس على رأسهم ابن الفونسو السادس وسبعةًُ من كبار نبلاء المملكة, حتى إن المصادر الإسبانية تدعو المعركة بمعركة القوامس السبعة, وقد قتل غالبيه هؤلاء القوامس نتيجة للكمائن التي أقامها المرابطون، كما قتل الابن الوحيد لألفونسو السادس الذي كان قد احتمى بحصن بلشون belinchon ولكن المرابطين عثروا عليه وقتلوه.توفي الفونسو السادس بعد حوالي عام من هذه المعركة503هـ، وغرقت دولته في مشاكل وراثة العرش, وربما أسهم هذا في تحقيق المرابطين لانتصار آخر أكبر من الانتصار الأول بعد أقل من عامين, حيث جاز أمير المسلمين علي بن يوسف ذاته إلى الأندلس, وجمع قوةً لم يعهد في ذلك الوقت مِثلُها على حد تعبير ابن عذاري, وتوجهت الحملة إلى منطقة طليطلة فوصلت إلى وادي التاجه وسددت ضربتها الأولى إلى مدينة طلييرة التي استولوا عليها في 15محرم سنة503هـ, واستمر المرابطون بعد ذلك في التقدم في المنطقة باتجاه مدينة طليطلة، واقتحموا حصن قنالش ثم أناخوا على مدينة طليطلة ذاتها لأمد، ولكنهم لم ينجحوا في الاستيلاء عليها.وقد برز أمام المرابطين فجأة خطر خارجي بحري استهدف الجزر في شرق الأندلس, إذ قام أسطول لأهل بيزا وجَنَوَة بالهجوم على جزر البالئار, وقدّرت رواية ابن الكردبوس عدد قطعه بثلاثمائة,حيث دخل الأسطول جزيرة يابسة أولاً فنهبها وسبى أهلها وقام صاحب الجزر مبشر ناصر الدولة بالدفاع عن كبرى الجزر ميورقة حتى توفي، واستطاعت سفينة يقودها أبو عبد الله بن ميمون اختراق طوق الحصار والتسلل خارج مياه الجزيرة لطلب النجدة من المرابطين، لكن الجزيرة سقطت وحل بها ما حلّ بأختها قبلاً, وحينما وصل الأسطول المرابطي ذي العدد المماثل حسب الرواية ذاتها، وجد عمران الجزيرة قد دُمّر فعمل على إعمارها من جديد, وارتد إليها من سكانها من كان قد لاذ بالفرار إلى الجبال, وردّ المرابطون اِثر ذلك على العملية سنة 515هـ بإرسال حملة بحرية على قِلَّوْرِية شرقي صقلية التابعة لملك صقلية وقادها ابن ميمون الذي أصبح قائد الأسطول لدى المرابطين.وفي خلال العقد الثاني من حكم علي بن يوسف برز الفونسو الأول ملك أراغون المقلب لدى الأسبان بالمحارب AL Fonso Barallador والذي تدعوه الروايات العربية بابن رذمير, وقد دأب على مهاجمة مملكة سرقسطة بمساعدة ابن هود (عبد الملك ابن المستعين) المخلوع عن عرش سرقسطة حتى أن العديد من أمراء سرقسطة المرابطين استشهدوا أثناء عمليات الدفاع عنها, وأخيراً ركز الفونسو عمله الحربي على مدينة لاردَة، فتجمعت قوات مرابطيه من مناطق الأندلس تحت راية الأمير تميم حاكم بلنسية، وواجهت الملك الأرغوني فاضطرته لفك الحصار عن لارده بعدما أوقعت به خسائر جسيمة؛ تبلغ حسب رواية صاحب روض القرطاس عشرة آلاف فارس، وربما كان في ذلك شيء من مبالغة.طلب الفونسو إثر ذلك العون من وراء الحدود, فعُقِد في طولوز بغاليا مجمع ديني اعتبر الحملة على سرقسطة مشروعاً صليبياً، أي أن المشارك بها يُمنح ما ينال المحارب في الحروب الصليبية من غفران للذنوب والآثام, إضافة لمكاسبه الدنيوية من الغنائم.اتجه إلى سرقسطة حشد غالي (فرنسي) كبير من ناحية العدد، حسن التجهيز لحروب الحصار وصنعوا- كما يقول صاحب روض القرطاس- أبراجاً من خشب تجري على بكرات وقربوها منها ونصبوا فيها العرّادات ونصبوا عليها 20منجنيقاً, واستمر حصار المدينة تسعة شهور؛ استطاع الغزاة خلالها تأمين التموين لقواتهم بمعونة أسقف وشقة، والذي بذل كل كنوز كنيسته لتحقيق ذلك[3] .أما المحاصرون ففنيت أقواتُهم فسلموا المدينة في 4رمضان سنة 512هـ, واتخذ الفونسو إثر ذلك سرقسطة قاعدة لتوسعه في حوض الإبرو على حساب ما تبقى من الأراضي الإسلامية في منطقة الثغر الأعلى.وقام بعد عام بغزو مدينة تُطْليه واحتل قلعة أيوب، وهي قلعة حصينة وقد حاول المسلمون نجدتها أثناء حصارها, فخرج الجيش المرابطي مع أعداد كبيرة من المتطوعين، إلا أن الفونسو استطاع هزيمتهم في معركة قتنده سنة 514هـ وكانت الهزيمة ضربة موجعة للمسلمين قتل منهم فيها كثير من المطوعة.بلغ من استهانة الفونسو الأول بقوة المسلمين وقوة يقينه بعجز المرابطين أن قام 519هـ/ 1125م باختراق الأراضي الإسلامية؛ بدءاً من منطقة بلنسية مروراً بالجنوب في جهة غرناطة وانتهاء بالوصول إلى الشاطئ في أقصى الجنوب, وقد استغرقت جولته سنة وثلاثة أشهر, ولم يفعل المرابطون شيئاً سوى تجميع قواتهم والتنقل بحذائه دون الدخول في معركة حاسمة, ويرجح أنه قام بهذه الغارة بالتنسيق مع زعماء المستعربين في الجنوب؛ لكي يحمل معه من المستعربين الكثيرين الذين يسكنون الجنوب كي يعمر بهم ما احتله من بلاد، وقد أقفرت من هجرة المسلمين منها, وقد تحقق له هذا الغرض إذا صحت الأرقام الواردة في الرواية العربية التي تقول بأنه هبط في أربعة آلاف فارس، وبلغ عدد من معه عند غرناطة خمسين ألفاً, وأنه أخلى ديار بادية الأندلس مع أنه لم يفتح مكاناً مسوراً صغيراً ولا كبيراً[4] وفي 523هـ/1129م انحدر الفونسو الأول مللك أراغون باتجاه بلنسية معلناً عزمه على احتلالها والإبحار منها إلى القدس للمشاركة في الحروب الصليبية في المشرق, ويظهر أنه وقعت بينه وبين جموع المرابطين التي حشدت في جهات مرسية موقعة (القليعة) في الجنوب من بلنسية انتصر فيها الفونسو ولكنه لم يحقق هدفه باحتلال بلنسية, وبعد الفشل في احتلال بلنسية وجه الفونسو همه لاحتلال المناطق المحيطة بها, ولكنه توفي سنة 529هـ, وتوقف نشاط أراغون التوسعي إثر ذلك, أما في الوسط والغرب حيث كان المسلمون يواجهون دولة قشتالة وليون, فإن مشاكل الوراثة منعت من وقوع أحداث جسام في هذه الفترة التي دخل فيها المرابطون مرحلة الجمود والتدهور وجل ما حدث هناك كان غارات متبادلة للنسف والتدمير والتخريب والأسر, يقوم بها الإسبان على جهات قرطبة وإشبيلية والمرابطون على جهات طليطلة.لقد دخل المرابطون الأندلس لإنقاذها من المد الإسباني أولاً ثم أتبعوا ذلك بتحرير الأندلسيين من حكم ملوك الطوائف الذي اعتبره الناس حكماً خارجاً عن الشرع الإسلامي، والذي كان يتمثل في سياسة ملوك الطوائف الضريبية ودفع الجزية لأعداء الدين من الإسبان, وبما أن المرابطين أزالوا هذا الجور المتمثل بهذين المظهرين وأعلوا كلمة الشرع الإسلامي؛ لذلك استقبلوا كمحررين, ولكن هذه العوامل الجامعة بين الطرفين لم تلبث أن ضعفت منذ بداية النصف الثاني من حكم المرابطين, فقد بدأت قوتهم الحربية تضمحل بالتدريج, فعجزوا عن حماية الثغر الأعلى سرقسطة بعد أمد قصير من انتزاعه من حكم بني هود 503هـ وبدأت غارات المسيحيين الإسبان تأسر وتخرب المزروعات وتنهب الثروات والممتلكات, لقد كان المرابطون في أول الأمر صحراويين متقشفين محاربين ويكونون القسم الأعظم من الجيش وعندما أصبحوا حكاماً لإمبراطورية واسعة وتحضروا ابتعد قسم كبير عن الحرب, وصار الاعتماد على المرتزقة يتزايد تدريجياً بتزايد الأخطار الخارجية, خاصة بعد استرداد القوى الإسبانية لعافيتها وتعاظم قوة الموحدين الثائرين في المغرب, ومن الطبيعي أن يتطلب ذلك مالاً وقد قلّ لديهم بعد توقف الفتوحات مما جعلهم يفرضون المغارم ويتجاوزون الضرائب الشرعية أكثر من غيرهم بكثير, وهكذا تزول دعامة أساسية من الدعائم التي أقاموا عليها شعبيتهم واستتبع ذلك حدة الانتفاضات الداخلية التي جعلت من سنوات علي الباقية بعد مضي عشرين سنة من حكمه(500- 537), وسنوات حكم من يليه فترة نزع طويلة نسبياً لحياة الدولة المرابطية التي تم القضاء عليها من قبل الموحدين 541هـ، ليتابع الموحدون عملية المجابهة والجهاد ضد الغرب الأوربي، وقد نجح أبو يوسف يعقوب المنصور الذي استمر حكمه خمسة عشر عاماً 580-595 أن يحقق نصراً ساحقاً على الفونسو الثامن ملك قشتالة في موقعة الأرك 591هـ، وقد بهر مؤرخونا القدماء بهذه الواقعة نتيجة لخسائر القشتاليين الكبيرة جداً، بدليل ما يرد فيها, ولقد اعتبر بعضهم نصر الأرك أروع من معركة الزلاقة لأن نتائجها كانت أعمق.. فبينما عاد يوسف بن تاشفين إلى المغرب بعد الزلاقة دون أن يقطف أي ثمرة أو أن يحتل بلداً, تقدم يعقوب المنصور إثر المعركة في أرض العدو؛ واحتل عدداً من المواقع كالأرك وقلعة رباح، وفي العام التالي توغل بغاراته التأديبية في أراضي عدوه إلى مسافات بعيدة، وصل فيها إلى مقربة من طليطلة ولم يتجرأ الفونسو الثامن أو ملك أراغون من اعتراضه. مصادر البحث:ابن الأبار- الحلة السيراء- حزءان مدريد 1963ابن الأثير- الكامل في التاريخ- 10 أجزاء دار الكتاب العربي –بيروت.ابن بسام- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة- القسم الأول والثاني للجزء الأول- القسم الأول للجزء الرابع. القاهرة 1365هـابن بشكول– الصلة في تاريخ أئمة الأندلس, مدريد1883الحميري, الروض المعطار في خبر الأقطار- بيروت1975الزيري (الأمير عبد الله بن بلقين) مذكرات الأمير عبد الله المسماة بكتاب التبيان تحقيق ليفي بروفنسل مصر 1955.ابن الخطيب (لسان الدين محمد بن عبد الله):الإحاطة في أخبار غرناطة.ابن أبي زرع –الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب-الرباط 1973.ابن عذارى-البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب 4 أجزاء.ابن الكردبوس-كتاب الاكتفاء في أخبار الخلفاء(القسم الخاص بالأندلس) مدريد 1965.المراكشي (عبد الواحد، المُعجب في تلخيص أخبار المغرب)_ القاهرة 1949).مؤلف مجهول –الحلل الموشية في ذكر الأخبار المغربية –الرباط 1936. 125[1] - المراكشي: المعجب ص 138.[2] -الحلل الموشية: ص 60-61.[3] -روض القرطاس ص 123[4] -الحلل الموشية ص75-79. | |
| | | | سقوط طليطله والمواجهة في عصر المرابطين/ د.نجدة خماش | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| اختر لغة المنتدى | أختر لغة المنتدى من هنا
|
|