أسطورة محمد علي باشا
لقد تعودنا عند الحديث عن الاسطورة فإننا سوف نتكلم عن شئ خيالي الا ان اليوم سوف نتحدث عن شئ حقيقي حدث الا انه ايضا ً اسطورة قد لا يصدقها من يقرأ الاحداث من بدايتها و لكن شخصيتنا استطاعت ان تكتب اسمها بحروف من نور في صفحات تاريخ مصر بل يكفي انه يقال عنه انه مؤسس مصر الحديثه و هو لقب يكفيه لكي نظلق عليه الاسطورة.
هذه الشخصية التي نتكلم عنها هي شخصية محمد علي باشا و التي تناولها الكثير بالكتابه و درست في المدارس للطلبه، فمن لا يعرف من هو محمد علي باشا، و لكن انا لست بصدد سرد احداث محمد علي و حكمه لمصر و إنما انا بصدد سرد و تحليل قصة كفاح قد يراها البعض انها سهله و انما هي في الحقيقه غاية في الصعوبه لذلك و جدت ان اتناولها بالتحليل مما يؤدي الي اكساب القارئ بالكثير من الدروس المستفاده التي تصلح لكل زمان و مكان فالاسماء تتغير و التواريخ تتغير بينما الاحداث تتكرر فما كنا نراه بالامس نجده يتكرر اليوم مع اختلاف الشخصيات و مكان حدوثها و لربما نفس المكان حتي و لكننا تعودنا علي قارءة التاريخ دون فهمه و تحليله بينما الغرب استطاع ان يفهمه ويتعامل معه كأساس يستنبطون منه حياتهم اليوميه و التي نراها نحد جديده رغم اننا قرءناها في كتب التاريخ لكننا لم ندركها و لم نفهمها بينما هم ادركوها وعملوا بها.
لذلك فأنا اقول دائما " لكي تستطيع ان تفهم الحاضر عليك بفهم الماضي اولا ً" لان الحاضر هو نتيجة للماضي و لا يمكن ان ندرس نتيجه دون معرفة سببها.
نشأة محمد علي:
و لكي نتعرف علي محمد علي كيف اصبح اسطورة فإنه علينا في البداية ان نتعرف علي نشأته و التي كانت بسيطه جدا ً، فهو من مواليد مدينة قوله عام 1769م وهي بألبانيا احدي امارات الدوله العثمانيه و كان والده اسمه ابراهيم اغا و كان يعمل رئيس حرسة الطرق بقوله الواقعه علي بحر ايجه و الذي توفي عام 1791م ليكفله بعد ذلك عمه طوسون اغا.
اما بالنسبه لمحمد علي فقد كان في شبابه واحدا ً ممن قاموا بالقضاء علي القراصنه الذين يهددون شواطئ مدينة قوله لذلك فقد انخرط في الاسطول العثماني كضابط برتبة ملازم اول و هو لازال في العشرين من عمره حيث اثبت من الكفاءه ما يؤهله لذلك، و بعدها قام محمد علي بالزواج من ابنة حاكم قوله لينجب ابنيه ابراهيم الكبير و طوسون.
و في ذلك الوقت كانت تسعي الدوله العثمانيه الي اخراج الفرنسيين من مصر لذلك قررت جمع جيش من ولاياتها المختلفه فكان محمد علي هو نائب قائد الفرقه الالبانيه حيث انه قد تم ترقيته الي رتبة صاغ قبل مغادرته قوله و كانت الفرقه مكونه من 300 جندي و التي توجهت الي مصر بقيادة طاهر باشا و بذلك وصل محمد علي الي مصر.
ظهور محمد علي في مصر:
لقد كانت مهمة هذه الفرقه الالبانيه ان تخرج الفرنسيين من مصر و هو ما حدث عام 1801م واصبح يجب عودة الفرقه حيث انها حققت ما جاءت من اجله ، الا ان الوضع اصبح غريب بعد جلاء الفرنسيين حيث ظهر صراع بين النفوذ العثماني و النفوذ المملوكي و الذي كان موجود من قبل مجئ العثمانيين بالاضاقه للنفوذ الانجليزي الذي كان له اكبر دور في اخراج الفرنسيين من مصر و بدأ الصراع بين العثمانيين و المماليك و ذلك من خلال تدبير العثمانيين لعدة كمائن محولين فيها التخلص من المماليك من هنا تدخل الانجليز الذين كانوا مرابطين في ميناء الاسكندرية بينما العثمانيين كانوا مرابطين في ميناء ابي قير و قد تحيز الانجليز لجانب المماليك لذلك حيث انها سعت الي الحفاظ علي القوه المملوكيه كحليف لها في مصر و هو ما سعت لاجله من خلال محمد بك الالفي الا ان المماليك كانوا منفسمين الي فرق منها ما يساند فرنسا كالبراديسي او انجلترا كالالفي .
و في عام 1802م تم عقد اتفاقية اميان و التي كان بمقتضاها يجب ان يغادر الاسطول الانجليزي الاسكندرية الا انه لم يكن يغادرها بهذه السهوله لولا ان فرنسا اصرت علي جلاء انجلترا فأرسلت الي الاسكندرية الكولونيل سباستياني في محاوله للضغط علي انجلترا الي ان تم الجلاء عام 1803م.
و بهذا الانسحاب الانجليزي اصبح الصراع في مصر صراع عثماني مملوكي حيث تم تعيين الوالي محمد خسرو باشا علي مصر و استطاع بمساعدة طاهر باشا و نائبه محمد علي و فرقتهم الالبانيه من من دفع المماليك الي الصعيد الا ان في ذلك الوقت حدث انقسام في الصف العثماني عندما تمردت القوات الالبانيه بعد مطالبتها برواتبهم الا ان خسروا باشا رفض فقاموا بمحاصرة القلعه الي ان قام بالهروب الي دمياط وهنا تولي طاهر باشا الولايه برتبة قائمقام الي ان يأتي والي جديد و هنا اتخذ قرار خاظئ بأن دعا المماليك بالعوده للقاهره و هو ماجعل قائد الانكشاريه احمد باشا بالتخلص قبل ان يمر علي حكمه مصر ايام و بعدها اصبح محمد علي قائد الفرقة الالبانيه في مصر و التي بلغ قوامها حوالي 4000 جندي .
تولي احمد باشا قائد الانكشاريه ولاية مصر بعد طاهر باشا و هنا خشي محمد علي من اضعاف نفوذ المماليك لذلك قرر ان يدخل في تحالف مع المماليك من خلال عثمان بك البرديسي الذي افنعه بأن يتخلص من احمد باشا لتعود السلطه الي المماليك و هو ما حدث بعد تولي احمد باشا الولايه بيوم واحد ثم اكملوا التحالف الالباني المملوكي عندما توجهوا بعده الي دمياط بعد معرفتهم بأن خسرو باشا يجمع قواته لمهاجمة القاهره الا انه هزم و تم سجنه في القلعه.
و في يوليو عام 1803 قرر الباب العالي تعيين علي باشا الجزايرلي الا ان المماليك كانوا مسيطرين علي الوضع في القاهره لم يستطع الوالي الجديد ان يأتي من الاسكندرية الي القاهره و بقي الوضع كما هو الي ان جاء المماليك في يناير 1804م و دعوا الوالي الي المجئ لتولي الحكم في القاهره لكنهم غدروا به و قاموا بقتله في طريقه الي القاهره ، و في فبراير 1804م عاد محمد بك الالفي من انجلترا و هنا عاد التحالف بين محمد علي و البرديسي من اجل التخلص من الالفي الذي عاد بتأييد انجلترا كما ظنوا لذلك فر الالفي الي الصعيد من هنا كانت فرصة محمد علي للانفراد بالحكم خاصتا ً بعد مطالبته البرديسي بك بالرواتب المتأخره للجنود الالبان فقام البرديسي بفرض ضريبه كبيره علي سكان القاهره للحصول علي المال للجنود الالبان الا ان الاهالي تذمروا من هذه الضرائب و هنا اعلن محمد علي وقوفه مع الاهالي ضد البرديسي و عدم رضاه عن الضريبه رغم انه السبب فيها و هنا ظهرت المقوله المشهوره من الاهالي " و إيش تاخد من تفليسي يا برديسي" و هو ما ادي في النهايه الي هروب المماليك الي الصعيد بعد مواجهة محمد علي له فزدادت شعبيته امام الاهالي .
تولي محمد علي السلطة في مصر:
لقد ادرك محمد علي انه لا يمكن ان يقفز الي السلطه في ذلك الوقت لذا لم يتعجل ذلك و انتظر الوقت المناسب و ذلك بسبب تخوفه من الجنود الالبان و من المماليك كما اراد ان يثبت الي السلطان العثماني انه ليس طامع في هذا المنصب لذلك قام محمد علي بأخراج خسرو باشا من السجن و توليته مره اخري الولايه الا ان القوات الالبانيه رفضت توليه الحكم لاعتقادهم ان خسرو باشا كان مسئولا عن مقتل قائدهم طاهر باشا لذا اضطر خسرو باشا للرحيل الي استانبول فقام محمد علي باستدعاء خورشيد باشا حاكم الاسكندرية العثماني ليكون والي علي مصر الي ان امر السلطان بذلك في اخر مارس 1804 فتحالف خورشيد و محمد علي لابعاد المماليك الي الوجه القبلي و ما ان حدث ذلك حتي انهار التحالف بينهما و ادرك خورشيد باشا ان محمد علي هو المنافس الحقيقي له في الحكم فعمل علي اضعاف سلطته من خلال جلبه الي قوه من 500 من الدلاة اي القوات غير النظاميه لتدعيم مركزه ضد الالبان الا انهم تحالفوا مع الالبان و عملوا علي مطالبة خورشيد باشا بالرواتب المتأخره، و في نفس الوقت عمل محمد علي علي تدعيم موقفه ايضا من خلال الحصول علي ثقة العلماء و خاصتا نفيب الاشراف عمر مكرم و ظهر هذا عندما نجح خورشيد باشا في استصدار فرمان عثماني بعودة القوه الالبانيه و قوادها الي بلادهم و هو ما جعل محمد علي يتظاهر بأنه يستعد للرحيل الا انه كان قد ضمن موقف الاهالي و العلماء فطلبوا منه البقاء نظرا لانهم عهدوا فيه العدل و الوقوف بجانبهم مما ادي في النهايه الي فشل خورشيد من التخلص من محمد علي فعمل علي التخلص منه بارساله لمحاربة المماليك في الصعيد و اعد العده له في غيابه لكي يتخلص منه فقام بفرض ضرائب جديده مبالغ فيها الا ان محمد علي شعر بذلك فعاد سريعا و امر جنوده بالابتعاد عن السلب و النهب فنال محمد علي تأييد العلماء و الاهالي و هنا قررخورشيد باشا من اللجوء لحيله جديده و هي الاتفاق مع الباب العالي لارسال محمد علي والي علي جده بشبه الجزيره العربيه الا ان الاهالي رفضوا رحيله و ايدوه في بقائه لذا قرر محمد علي ان يوجه الضربه الاخيره الي خورشيد باشا بمعاونة العلماء و الاهالي و هو ما حدث عندما شجعهم علي تقديم مطالبهم الي خورشيد باشا و التي كانت تتضمن ان يبعد القوات العثمانيه عن القاهره و ان يعيد فتح المواصلات بين القاهره و الوجه القبلي و التعهد بعدم فرض ضرائب جديده و هو ما كان مستحيل ان يوافق عليه خورشيد باشبا فهو بذلك يبعد القوات التي تحميه كما يسمح بعوده المماليك الي القاهره لذا قرر العلماء اعطاء خورشيد باشا مهله 24 ساعه للرد علي المطالب الا ان خورشيد باشا رفض المطالب فذهب العلماء الي دار محمد علي ليخاطبه عمر مكرم بقوله " اننا نريدك واليا علينا بشروطنا لما نتوسمه فيك من العداله و الخير" الا ان محمد علي اعرض عن قبول هذا المنصب حتي لا يقال انه سعي اليه الا ان العلماءقاموا باختياره في 13 مايو عام 1805م و بالتالي عزل خورشيد باشا و هنا رفض هذا القرار وقال قولته الشهيره "لقد ولاني السلطان فكيف يعزلني الفلاحون" و هنا تحتمت المواجهه بين محمد علي و الاهالي و العلماء و الالبان بالاضافه لتحالف الدلاة معه بينما خورشيد باشا كان متحصنا ً بالقلعه اما السلطان العثماني سليم الثالث فكان يراقب الموقف ليعين من ترجح كفته و بعد تأكده من رجاح كفة محمد علي قرر اصدار فرمان توليه ولاية مصرفي 9 يوليو 1805م قائلا ً فيه "رضي بذلك العلماء و الرعية " فأصبح بذلك الحاكم الحاكم الشرعي الا ان خورشيد باشا رفض مغادرة القلعه رافضا امر السلطان الي ان وصل صلاح اغا مندوب السلطان مصدرا تعليماته بالتسليم و هنا ادرك خورشيد ان محمد علي انتصر و خاف ان يعتبر متمردا علي الدوله العثمانيه فاضطر مرغما علي علي الخروج من القلعه في 6 اغسطس 1805م في يوم يؤكد انتصار ارادة الشعب المصري و ذكاء محمد علي.
خطوات محمد علي من اجل انفراده بالسلطه:
رغم تولي محمد علي الحكم في مصر بالاراده الشعبيه الا ان ذلك لم يكن كافي لكي يحافظ علي منصبه فتره طويله فقد كان لزاما علي محمد علي التخلص من كل اعداءه او اصدقاءه من اجل الانفراد بالسطه و هو ما قام به متبعا عدة خطوات:
مهادنة السلطان العثماني:
لقد تولي محمد علي حكم مصر رغما عن ارادة السلطان العثماني حيث من الملاحظ في الفرمان الخاص بتوليته بأن لهجة السلطان تدل علي انه سوف يعزل محمد علي في اقرب فرصه.
رغم ان محمد علي كان هو الوالي الشرعي لمصر و حامل لقب باشا الا انه لم يكن يحكم سوي مدينة القاهره حيث نجد ان بقية البلاد كانت تابعه اما للمماليك او البدو بينما الاسكندرية كانت الدوله العثمانية قد استبقتها تحت سيطرتها المباشره حيث صدر فرمان عثماني بتعيين امين اغا حاكما علي الاسكندرية برا و بحرا مما يؤكد بأن الدولة العثمانية ارادت ان تجعل مدينة الاسكندرية مستقله عن مصر و ذلك لهدف واحد الا وهو ان تكون مركز للدوله العثمانية تستعيد منه مصر من محمد علي مره اخري.
ارسل السلطان العثماني اسطولا بقيادة القبطان صالح باشا في يونيو 1806 الي الاسكندرية و معه رساله الي محمد علي يبلغه بأنه تم نقله الي ولاية سالونيك و ان موسي باشا سوف يتم تعيينه بدلا منه في مصر و هنا لم يكن محمد علي ينوي ان يغادر مصر بعد كل ما بذله من اجل الوصول الي الحكم فيها لذا عمل علي استغلال علاقته الجيده مع العلماء و المشايخ بالاضافه الي مفاوضته مع القبطان صالح باشا من اجل ان يعدل السلطان عن قراره و هو ما حدث بعد ان توصلوا الي اتفاق يقضي بأن يدفع محمد علي الي السلطان العثماني اربعة الالاف كيس (الكيس يعادل 500 قرش) علي ان يتم تثبيته في مصر الا ان الاسكندرية ظلت خاضعه للدوليه العثمانيه.
لقد كانت الظروف في ذلك الوقت تخدم محمد علي و ذلك من خلال عزل السلطان العثماني سليم الثالث و تولية مصطفي الرابع الحكم عام 1807 ثم خلفه السلطان محمود الثاني عام 1808 و كان صغير السن من هنا عمل محمد علي استرضاء الدوله العثمانيه بين الحين و الاخر و ذلك لضمان هدوء الامور بينه وبين الدوليه العثمانيه.
من هنا يجب ان نذكر ان وصول محمد علي للسلطه جاء في وقت كانت مصر تنتظر ان يأتي اليها الرجل الذي سيخلصها من حالة الفساد و التخلف التي كانت تعيش فيه و ساعد محمد علي الظروف التي جعلته يستطيع ان يثبت مركزه في الدوله و لكن لا يجب ان ننكر بأن محمد علي كان لديه من الذكاء و الدهاء ما يجعله يستحق ما وصل اليه في مصر.
التخلص من المماليك:
لقد كان موقف المماليك موقف يتسم بالعداء و ذلك بسبب ارادة المماليك استعادة نفوذهم في مصر مره اخري فاعتبروا انفسهم احق بالحكم من محمد علي حيث يعتبرونه دخيل علي مصر مدركين ان السلطان العثماني لم يكن راضي عن توليه مصر الا انه اجبر بسبب ارادة الشعب بالاضافه الي ان انجلترا تريد ان تدعم الموقف المملوكي من اجل زيادة نفوذها في مصر.
اما محمد علي فقد ناصبهم ايضا العداء لانه يعلم جيدا بأن المماليك يعلمون نقاط ضعفه من خلال جنوده الالبان الذين اشتهروا بالسلب و النهب كما انه كان يحتاج الي الاموال من اجل تدعيم ملكه بينما لايستطيع فرض ضرائب جديده بسبب وقوف العلماء له بالمرصاد و كان محمد علي رافضا لهذه الوصايه من جانب العلماء فإذا كان قد وافق علي شروطهم عندما تولي الحكم فهذا لا يعني انه راضي عنها و انما من اجل الوصول للحكم.
و لعل احد اسباب عدم ثقة محمد علي في المماليك حادثه في فترة توليه مصر عندما ارسل السلطان العثماني بعمارة بحرية بقيادة عبد الله رامز في 17 يوليو 1805 و كانت مؤلفه من 2500 جندي لمراقبة الموقف في مصر الا ان المماليك قاموا بالاتصال بهذه العماره من خلال محمد بك الالفي الذي عرض عليهم نيابه عن البكوات ان يقفوا بجانبه من اجل انتزاع القاهره من يد محمد علي لانهم الوحيدين القادرين علي استتباب النظام و الامن و الامان في مصر الا ان محمد علي نجح في اقتاع القبطان بأن العلماء يقفون بجانبه و انه قادر علي الحفاظ علي الامور الداخليه بما يحقق مصالح الدوله العثمانيه ، لقد كانت هذه الحادثه كافيه بأن تجعل محمد علي لا يثق في المماليك .
لقد كان المماليك في هذه الفتره منقسمين الي احزاب و فرق شتي فقد كان ابراهيم بك و عثمان بك البرديسي يتخذون الصعيد مأوي لهم بينما محمد بك الالفي و اتباعه كانوا يقيمون بالوجه البحري و كان محمد علي يقيم له الف حساب حيث كان الاخطر لانه كان يعتمد علي الانجليز.
لذلك لم يجد محمد علي افضل من سياسة الخديعه للتخلص من المماليك و كانت اول خطواته للتخلص منهم عندما اتفق مع اتباعه المخلصين بأن يتظاهروا بأنهم متفقين مع المماليك حتي دخل عثمان بك حسن و احمد بك كاشف الي القاهره فرفض كل من السيد عمر مكرم و الشيخ عبد الله الشرقاوي مساعدتهم فارتدوا خائبين ففاجئهم محمد علي بالرصاص فقتلوا منهم خمسين و اسروا نحو ثمانين الا انه قتل اسراهم، و رغم شراسة محمد علي في مواجهة المماليك الا ان قبطان باشا بالاسكندرية كان يري ان الامور تسير في صالح محمد علي و انه الاجدر بالحكم و من هنا رحل عن مصر في اكتوبر 1805 و اخذ معه الوالي المخلوع.
لقد كانت للعلاقه بين محمد بك الالفي و الانجليز سببا قويا لتوسط الانجليز لدي السلطان العثماني سليم الثالث من اجل تولي الالفي ولاية مصر و ذلك نظير دفع 1500 كيس بالاضافه لتعهد المماليك بالولاء الي السلطان و هو ما ادي الي ارسال القبطان صالح باشا علي رأس 3000 جندي في 27 يونيو عام 1806 و بعد وصوله ارسل الي محمد علي رسولا الي القاهره كي يختار بين احدي الفرمانين الاتيين تولي ولاية كريت او سالونيك و هنا تظاهر محمد علي بالطاعه الا انه قرر المقاومه سرا حيث لجأ الي العلماء و الذين قاموا بتقديم التماس الي السلطان العثماني يعترضون فيه علي عزل محمد علي و تعيين موسي باشا مكانه كما اكدوا بأنهم لا يثقون بالمماليك لكثرة مطامعهم و كان في ذلك الوقت الالفي يحاصر مدينة دمنهور مطالبين الاهالي بتسليمها لكنهم رفضوا و لجأوا الي عمر مكرم .
و هنا قام القبطان صالح باشا من محمد علي تنفيذ الاوامر السلطانيه الا ان عمر مكرم و الشيخ السادات اكدوا تمسكهم بمحمد علي و هنا كان الالفي سعيد بموقف القبطان فقام بأرسال الهدايا الثمينه اليه نظير ما قام به ثم عمل الالفي علي اشاعة ان الباب العالي يؤيده في كل البلاد.
و هنا استعد محمد علي للمقاومة و عاهده جنده علي الولاء خوفا من العوده الي الاستانه و ضياع مرتباتهم ، و كان في ذلك الوقت الالفي يحقق انتصارات علي جند محمد علي الا انه لم يقف و انما عمل علي تجاوز ذلك بالاساليب الدبلوماسية خاصه و ان الالفي لم يستطع ان يدفع 1500 كيس الي السلطان بالاضافه لعدم تعاون باقي المماليك معه و هنا قرر محمد علي ان يتفق مع صالح بك بان يدفع محمد علي 4000 كيس الي السلطان و ان يكون ابنه رهينه لدي السلطان الي ان يسدد المبلغ و هنا وصل فرمان التوليه و تجاوز محمد علي الازمه التي كادت تطيح بحكمه.
لقد ساعدت الظروف محمد علي في صراعه مع المماليك عندما توفي البرديسي في نوفمبر 1806 ثم وفاة الالفي في يناير 1807 و بعدها احتشدت القوه المملوكيه الباقيه في المنيا فقام محمد علي بإرسال فوه من المشاه و الفرسان للقضاء عليهم الا انه استخدم سلاح الخديعه الذي كان فيه متميزا حيث عرض علي المماليك الصلح بينما كان يتصل بالعربان الموالين للمماليك حيث عرض عليهم الاموال مقابل ارشاد جنود محمد علي علي مواقعهم و هو ما ادي الي ايقاع محمد علي بالمماليك و الاستيلاء علي مدافعهم و احتلال اسيوط واقام معسكره فيها لكن الانباء وردت اليه بأن الانجليز وصلوا الي الاسكندرية فقام بعمل صلح مع المماليك في الصعيد ليتفرغ للقتال مع الانجليز.
بعد ان انتهي محمد علي من ازمة الانجليز عاد مره اخري من اجل استئناف المفاوضات مع المماليك الا ان ابراهيم بك و عثمان بك حسن و بقايا حزب مراد بك رفضوا الوصول الي صلح مع محمد علي لكنه استطاع في عام 1808 من التصالح مع جماعة الالفي و التي كان يرأسها شاهين بك حيث عمل علي استخدام بعض رؤساء المماليك من اجل استمالته و استخدم ايضا اسلوب الود في مراسلاته كما عرض عليه الاقامه بالقاهره و علي ان يخصص له ايرادات اقليم الفيوم و 30 قرية من اقليم المنيا و 10 قري في الجييزه و ضم له اقليم البحيره كله و اعطاه حجه بذلك و رغم ان محمد علي قد تخلص من احد اهم اعداءه الا ان المماليك لا يزالون قوه ضاربه حيث كان قوامهم 2500 جندي مدربين جيدا و لكن خطوة محمد علي مع شاهين بك و دعوته لباقي المماليك بألقاء السلاح كان لها اثر في هدوء الاحوال نسبيا في مصر خاصتا و ان كبار المماليك قد تقدموا في السن.
و بالرغم من ذلك لم يكن محمد علي مطمئنا لهم خاصه و انه يعتبرونه دخيلا و ان مصر ملكا لهم لذا عمل محمد علي علي استمالة صغار البكوات و تخصيص الرواتب العاليه لهم بالاضافه لموت شاهين بك المرادي خليفه البرديسي عام 1808 و قام محمد علي بتعيين سليم بك خلفا له كما عين مرزوق بك ابن ابراهيم الكبير حاكما لجرجا و كان يعد ذلك اول مره يولي فيها والي مصر مملوك بينما جرت العاده علي ان يقوم بذلك المماليك وحدهم.
لقد كان محمد علي يتبع اسلوب الترغيب و الترهيب من خلال اتباع اسلوب التفاوض معهم بالاضافه الي اثبات قوته من خلال تمرير الحملات من وقت لاخر، الا ان محمد علي حاول ان يضم الوجه القبلي الي ملكه و لكن ما ان وصل الي اسيوط حتي طلب المماليك الصلح فوافق علي ان يرحلوا الي القاهره فوافقوا و لكن ماطلوا في التنفيذ و لكن بسبب موقف محمد علي المتشدد من هذه المسأله فقد قرر المماليك توحيد صفهم مره اخري مما جعل محمد علي يزحف مره اخري علي الصعيد عام 1810 و انتصر عليهم في البهنسا و اللاهون و استولي علي الفيوم و انسحب ابراهيم بك و عثمان بك حسن و سليم بك زعماء المماليك الي اسوان بينما مال الباقون و علي رأسهم شاهين بك الالفي الي الصلح فأمنهم محمد علي و منح شاهين بك دار بالازبكيه الا انه سرعان ما قام بخيانة محمد علي و ضرب بعهده مع محمد علي عرض الحائط و انضم لاعداء محمد علي باسوان.
لقد حاول محمد علي ان يتصالح مع المماليك بشتي الطرق وقام بمحاربتهم عدة مرات و لكنه لم يستطع ان ينتصر عليهم لذا فقد تعب محمد علي منهم خاصه و ان تاريخهم ملئ بالمؤامرات لذا قرر ان يقوم بتوجيه ضربته القاضيه اليهم فلا تكون هناك جوله اخري بعدها و حدث ذلك عندما دعا المماليك الي حفل توديع ابنه طوسون احمد بالقلعه قبل ذهابه الي شبه الجزيره العربيه لاخماد الحركه الوهابيه و قد حاول محمد علي ان اقناع المماليك بشتي الطرق من اجل احضارهم الي القلعه حتي لبي المماليك الدعوه و ركبوا جميعا في ابهي زينة علي خيولهم فتلقاهم محمد علي بالحفاوة و هم يخفون في صدورهم الكراهيه و الحقد تجاهه بينما كان هو يحمل الغدر لهم ، و لما انتهي الحفل اخذ المماليك مواضعهم في المواكب الضخم لتوديع طوسون و تم احتجازهم داخل ممر تم غلقه باحكام و انهال عليهم الرصاص من كل جانب ليكون اول مارس او مذبحة القلعة تاريخا لنهاية العصر المملوكي او النظام القديم في مصر لينطلق بعدها محمد علي في الداخل و الخارج.
حملة فريزر الانجليزية:
لقد كانت حملة فريزر الانجليزيه علي مصر احد النتائج المترتبه علي تدهور العلاقات العثمانيه الانجليزيه بعد ان كانت تتميز بالود و الصداقه و التحالف الا ان الصلح التي عقدته الدوله العثمانيه مع فرنسا جعل انجلترا تخشي ان تقوم فرنسا بإرسال حمله سلميه الي الاسكندريه للاستيلاء عليها فقررت انجلترا ارسال اسطولين الاول الي مياه الدردنيل و الاخر الي الاسكندريه في مارس عام 1807 و كانت حملة محدوده مكونة من 7000 جندي و كان الهدف منها اقامة قاعده عسكرية بريطانيه في ميناء الاسكندرية و اعتمدت انجلترا في حملتها علي تأييد المماليك لها بقيادة محمد بك الالفي الا ان انجلترا لم تكن تدري ان الالفي توفي قبلها بشهرين كما انها اساءت التقديرات ازاء موقف المماليك ضد محمد علي حيث ان محمد علي في ذلك الوقت قد ابرم صلحا معهم علي ان يترك لهم الصعيد ليتفرغ لقتال الانجليز فعاد بعدها للقاهره و قد امن جانب المماليك فقام باعداد حمله من 4000 من المشاه و 1500 من الفرسان و اتجهت الحمله الي رشيد، و كان في ذلك الوقت فريزر قائد الحملة الانجليزيه قدر ارسل حمله الي رشيد ليتخذ منها قاعده و لتزويد الجيش بالاسكندرية و كان علي رأس الحمله الجنرال ويكوب و كان حاكم رشيد في ذلك الوقت علي بك السلانكلي و كان يتميز بالحكمه و الشجاعة فاتخذ من التدابير ما ادي الي فشل هذه الحمله ارتدت مهزومه بعد ان فقدت نحو 170 قتيلا و 250 جريحا و 120 اسيرا و قام علي بك حاكم رشيد بارسالهم الي القاهره ليكون ذلك اعلانا للحكومه المركزيه بانتصار اهالي رشيد الا ان فريزر اراد ان يعزز موقفه فأرسل حمله اخري بقيادة الجنرال ستيوارت و معه 4000 جندي مجهزين بالمدافع و الاسلحة فاستولي علي الحماد و هو في طريقه الي رشيد و استمر الحصار علي رشيد الي ان وصل مدد محمد علي و هزم القوات الانجليزيه و بلغت خسائرها 416 قتيلا و 400 اسير فأجبرت القوات الانجليزيه علي رفح الحصار و الانسحاب الي ابو قير و منها الي الاسكندريه ثم قام فريزر بقطع سد ابوقير ليحيط الاسكندريه بالمياه في محاولة منه لاطالة بقاء الحمله الا ان الموقف قد تغير في اوروبا لغير صالح انجلترا مما عجل بادارة عجلة المفاوضات الي ان تم الجلاء عن ميناء الاسكندرية في 19 سبتمبر 1807 و بعدها تم اصدار فرمان سلطاني بضم الاسكندرية الي سلطان محمد علي بعد ان كانت منفصله اداريا عن الحكومة المركزيه بالقاهره.
التخلص من الجنود الالبان:
لقد كان امام محمد علي فرصه سانحه و هو في اوج قوته بعد انتصاره من ان يدعم مركزه في مصر فساعده العلماء علي التخلص من جنده الالبان المشاغبين بعد فتنه اشعلوها لمدة 7 ايام حيث عمل ارضاء بعضهم بجزء من مرتباتهم و نفي جزء اخر من رؤوس الفتنه مثل رجب اغا.
التخلص من العلماء:
بعد ان تأكد محمد علي من نجاحه في بسط سيطرته قرر ان يتخلص من اصدقائه العلماء بعد ان ساعدوه في تولي الحكم لذا قرر ان يقلم اظافرهم فهو يريد حرية اكبر كي يستطيع بناء دولته دون رقابه من احد و حدث ذلك عندما قرر ان يقوم بتعديل في نظام الالتزام لصالحه فغضب الملتزمون و عارضه العلماء عندما اخبروه بانه قد تعهد بعدم فرض اي ضريبه دون موافقة الشعب و هنا قرر ان يعاقب اكثر المعارضين له من العلماء و هو عمر مكرم قفام بنفيه الي دمياط ثم الي طنطا.
و بذلك يكون محمد علي قد استطاع ان يتخلص من جميع اعداءه و اصدقاءه من اجل ان ينفرد بحكم مصر و تحقيق اهدافه الداخليه و الخارجيه و التي كتبت لمصر نهضه حديثه علي يديه.