قال: فكان أول من انصرف إلى كسرى بالهزيمة إياس بن قبيصة وكان لا يأتيه أحد بهزيمة جيش إلا نزع كتفيه، فلما أتاه إياس سأله عن الخبر، فقال: هزمنا بكر بن وائل، فأتيناك بنسائهم، فأعجب بذلك كسرى وأمر له بكسوة، وإن إياساً استأذنه عند ذلك، فقال: إن أخي مريض بعين التمر، فأردت أن آتيه ، وإنما أراد أن يتنحى عنه، فأذن له كسرى، فترك فرسه " الحمامة " وهي التي كانت عند أبي ثور بالحيرة ، وركب نجيبة فلحق بأخيه، ثم أتى كسرى رجل من أهل الحيرة وهو بالخورنق، فسأل: هل دخل على الملك أحد؟ فقالوا: نعم، إياس، فقال: ثكلت إياساً أمه! وظن أنه قد حدثه بالخير، فدخل عليه فحدثه بهزيمة القوم وقتلهم، فأمر به فنزعت كتفاه .
قال: وكانت وقعة ذي قار بعد وقعة بدر بأشهر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، فلما بلغه ذلك قال: هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا.
قال ابن الكلبي : وأخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: ذكرت وقعة ذي قار عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ذلك يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا " وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلت له الوقعة وهو بالمدينة، فرفع يديه فدعا لبني شيبان، أو لجماعة ربيعة بالنصر، ولم يزل يدعو لهم حتى أري هزيمة الفرس.
وروي أنه قال: " إيها بني ربيعة، اللهم انصر بني ربيعة " فهم إلى الآن إذا حاربوا دعوا بشعار النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوته لهم، وقال قائلهم: " يا رسول الله وعدك "، فإذا دعوا بذلك نصروا.
وقال أبو كلبة التيمي يفخر بيوم ذي قار:
لولا فـوارس لا مـيل ولا عـزل | | من اللهازم ما قظتـم بـذي قـار |
ما زلت مفترساً أجـسـاد أفـتـية | | تثير أعطافها مـنـهـا بـآثـار |
إن الفوارس من عجل هم أنـفـوا | | من أن يخلوا لكسرى عرصة الدار |
لاقوا فوارس من عجل بشكتـهـا | | ليسوا إذا قلصت حرب بأغـمـار |
قد أحسنت ذهل شيبان وما عدلـت | | في يوم ذي قار فرسان ابن سـيار |
هم الذين أتوهم عن شـمـائلـهـم | | كمـا تـلـبـس وراد بـصـدار |
فأجابه الأعشى فقال:
أبلغ أبا كلبة التيمي مألكةًفأنت من معشر والله أشرار |
شيبان تدفع عنك الحرب آونةً | | وأنـت تـنـبـح نـبـح الـكـلـب فـي الـغـار |
وقال بكير الأصم :
إن كنت ساقية المدامة أهلهـا | | فاسقي على كرم بني همـام |
وأبا ربيعة كلها ومـحـلـمـاً | | سبقوا بـأنـجـد غـاية الأيام |
زحفوا بجمع لا ترى أقطـاره | | لقحت به حرب لغير تـمـام |
عرب ثلاثة ألـف وكـتـيبة | | ألفان عجم من بني الـفـدام |
ضربوا بني الأحرار يوم لقوهم | | بالمشرفي على شئون الهـام |
وغدا ابن مسعود فأوقع وقـعةً | | ذهبت لهم في معرق وشـآم |
وقال الأعشى:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي | | وراكبها يوم اللقاء وقـلـت |
هم ضربوا بالحنو جنو قراقر | | مقدمة الهامرز حتى تولـت |
وقال بعض شعراء ربيعة في يوم ذي قار:
ألا من لليل لا تغور كواكبـه | | وهم سري بين الجوانح جانبه |
ألا هل أتاها أن جيشاً عرمرماً | | بأسفل ذي قار أبيدت كتائبـه |
فما حلقة النعمان يوم طلبتهـا | | بأقرب من نجم السماء تراقبه |
وقال الأعشى:
حلفت بالملح والرماد وبالعز | | ى وباللات تسلم الحلـقـه |
حتى يظل الهمام منـجـدلاً | | ويقرع النبل طرة الدرقـه |
وقال ابن قرد الخنزير التيمي :
ألا أبلغ بنـي ذهـل رسـولاً | | فلا شتماً أردت ولا فـسـادا |
هزرت الحاملين لكي يعودوا | | إذا يوم من الحـدثـان عـادا |
وجدت الرفد رفد بني لـجـيم | | إذا ما قـلـت الأرفـاد زادا |
هم ضربوا الكتائب يوم كسرى | | أمام الناس إذ كرهوا الجلادا |
وهم ضربوا القباب ببطن فلج | | وذادوا عن محارمـنـا ذيادا |
وقال الأعشى في ذلك:
لو أن كل معـد كـان شـاركـنـا | | في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف |
لما أتونا كان الـلـيل يقـدمـهـم | | مطبق الأرض تغشاها لهم سدف |
بطارق وبـنـو مـلـك مـرازبة | | من الأعاجم في آذانها النـطـف |
من كل مرجانة في البحر أحرزها | | تيارها ووقاها طينها الـصـدف |
وظعننا خلفنا تجري مدامـعـهـا | | أكبادها وجلاً مما تـرى تـجـف |
يحسرن عن أوجه قد عاينت عبـراً | | ولاحها غبرة ألوانـهـا كـسـف |
ما في الخدود صدود عن وجوههم | | ولا عن الطعن في اللبات منحرف |
عوداً على بدئهم ما إن يلبـثـهـم | | كر الصقور بنات الماء تختطـف |
لما أمالوا إلى الـنـشـاب أيديهـم | | ملنا ببيض فظل الهام يقتـطـف |
وخيل بكر فما تنفك تطحـنـهـم | | حتى تولوا وكاد اليوم ينتـصـف |
وقال حريم بن الحارث التيمي:
وإن لجيماً أهـل عـز وثـروة | | وأهل أياد لا ينال قـديمـهـا |
هم منعوا في يوم قار نسـاءنـا | | كما منع الشول الهجان قرومها |
إذا قيل يوماً أقدموا يتقـدمـوا | | وهل يمنع المخزاة إلا صميمها |
قال: ولم يزل قيس بن مسعود في سجن كسرى بساباط، حتى مات فيه.
خليلي ما صبري على الزفرات | | وما طاقتي بالهم والعـبـرات |
تساقط نفسي كـل يوم ولـيلة | | على إثر ما قد فاتها حسـرات |
الشعر: للقحيف العقيلي. والغناء: لإبراهيم الموصلي ، رمل بالوسطى ، عن عمرو بن بانة ، وذكر الهشامي أن الرمل لعلوية، وأن لحن إبراهيم من الثقيل الأول بالوسطى .
أخبار القحيف ونسبهالقحيف بن حمير ، أحد بني قشير بن مالك بن خفاجة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
شاعر مقل من شعراء الإسلام.
وكان يشبب بخرقاء التي كان ذو الرمة يشبب بها .
فأخبرني محمد بن خلف بن وكيع ، وعمي، قالا: حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك، عن العدوي، عن أبي الحسن المدائني، عن الصباح بن الحجاج عن أبيه ، قال: مررت بخرقاء وهي بفلج فقالت: أقضيت حجك وأتممته؟ فقلت: نعم، فقالت: لم تفعل شيئاً، فقلت: ولم؟ فقالت: لأنك لم تلمم بي ولا سلمت علي، أو ما سمعت قول ذي الرمة :
تمام الحج أن تقف المطايا | | على خرقاء واضعة اللثام |
فقال: هيهات يا خرقاء، ذهب ذاك منك، فقالت: لا تقل ذاك، أما سمعت قول القحيف عمك :
وخرقاء لا تـزداد إلا مـلاحةً | | ولو عمرت تعمير نوح وجلت |
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال: حدثني أبو الشبل المعدي قال: نسب ذو الرمة بخرقاء البكائية، وكانت أصبح من القبس ، وبقيت بقاءً طويلاً، فنسب بها القحيف العقيلي فقال:
وخرقاء لا تـزداد إلا مـلاحةً | | ولو عمرت تعمير نوح وجلت |
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني أبو غسان دماذ قال: كبرت خرقاء حتى جاوزت تسعين سنة، وأحبت أن تنفق ابنتها وتخطب، فأرسلت إلى القحيف العقيلي، وسألته أن يشبب بها، فقال:
لقد أرسلت خرقاء نحوي جريها | | لتجعلني خرقاء ممن أضلـت |
وخرقاء لا تـزداد إلا مـلاحة | | ولو عمرت تعمير نوح وجلت |
وقال عمرو بن أبي عمرو الشيباني: كان القحيف العقيلي يتحدث إلى امرأة من عبس، وقد جاورهم وأقام عندهم شهراً وهام بها عشقاً، وكان يخبرها أن له نعماً ومالاً، وهويته العبسية، وكان من أجمل الرجال وأشطهم ، فلما طال عليها واستحيا من كذبه إياها في ماله ارتحل عنهم، وقال:
تقول لي أخت عبس: ما أرى إبلاً | | وأنت تزعم من والاك صـنـديد |
فقلت: يكفي مكان اللوم مطـرد | | فيه القتير بسمر القين مـشـدود |
وشكة صاغها وفـراء كـامـلةً | | وصارم من سيوف الهند مقـدود |
إني ليرعى رجال لي سوامـهـم | | لي العقائل منها والمـقـاحـيد |
وقال أبو عمرو: كان الوليد بن يزيد بن عبد الملك ولى علي بن المهاجر بن عبد الله الكلابي اليمامة. فلما قتل الوليد بن يزيد جاءه المهير بن سلمى الحنفي فقال له: إن الوليد قد قتل، وإن لك علي حقاً، وكان أبوك لي مكرماً، وقد قتل صاحبك ، فاختر خصلة من ثلاث: إن شئت أن تقيم فينا وتكون كأحدنا فافعل، وإن شئت أن تتحول عنا إلى دار عمك، فتنزلها أنت ومن معك إلى أن يرد أمر الخليفة المولى فتعمل بما يأمر به، فافعل. وإن شئت فخذ من المال المجتمع ما شئت والحق بدار قومك.. فأنف علي بن المهاجر من ذلك ولم يقبله، وقال للمهير: أنت تعزلني يا بن اللخناء ؟ فخرج المهير مغضباً، والتف معه أهل اليمامة، وكان مع علي ستمائة رجل من أهل الشام ومثلهم من قومه وزواره، فدعاهم المهير وذكر لهم رأيه، فأبوا عليه وقاتلوه، وجاء سهم عائر فوقع في كبد صانع من أهل اليمامة، فقال المهير: احملوا عليهم، فحملوا عليهم فانهزموا، وقتل منهم نفر، ودخلوا القصر وأغلقوا الباب وكان من جذوع، فدعا المهير بالسعف فأحرقه، ودخل أصحابه فأخذوا ما في القصر، وقام عبد الله بن النعمان القيسي في نقر من قومه فحملوا بيت المال ومنعوا منه، فلم يقدر عليه المهير، وجمع المهير جيشاً يريد أن يغزو بهم بني عقيل وبني كلاب، وسائر بطون بني عامر ، فقال القحيف بن حمير لما بلغه ذلك :
أمن أهل الأراك عفت ربوع | | نعم سقياً لهم لو تستـطـيع |
زيارتهم، ولكن أحضرتـنـا | | هموم ما يزال لها مشـيع |
غنى في هذين البيتين إبراهيم، فيما ذكره هو في كتابه، ولم يذكر طريقته:
كأن البين جرعني زعافـاً | | من الحيات مطعمه فظيع |
وماء قد وردت على جباه | | حمام حائم وقطاً وقـوع |
ومما يغنى فيه من هذه القصيدة:
جعلت عمامتي صلة لدلوي | | إليه حين لم ترد النسـوع |
لأسقي فتية ومنـقـبـات | | أضر بنقيها سفر وجـيع |
قال أبو الفرج : غنى في هذين البيتين سليم، خفيف رمل بالوسطى، ذكر ذلك حبش :
لقد جمع المهير لنا فقلـنـا: | | أتحسبنا تروعنا الجـمـوع؟ |
سترهبنا حنـيفة إن رأتـنـا | | وفي أيماننا البيض اللمـوع |
عقيل تغتزي وبنـو قـشـير | | توارى عن سواعدها الدروع |
وجعدة والحريش ليوث غاب | | لهم في كل معركة صريع |
فنعم القوم في اللزبات قومي | | بنو كعب إذا جحد الـربـيع |
كهول معقل الطراد فـيهـم | | وفتيان غـطـارفة فـروع |
فمهلاً يا مهير فأنت عـبـد | | لكعب سامع لهم مـطـيع |
قالت: وبعث المهير رجلاً من بني حنيفة يقال له: المندلف بن إدريس الحنفي، إلى الفلج، وهو منزل لبني جعدة، وأمره أن يأخذ صدقات بني كعب جميعاً، فلما بلغهم خبره أرسلوا إلى أطرافهم يستصرخون عليه ، فأتاهم أبو لطيفة بن مسلمة العقيلي في عالم من عقيل، فقتلوا المندلف وصلبوه، فقال القحيف في ذلك:
أتانا بالعقيق صريخ كعـب | | فحن النبع والأسل النهـال |
وحالفنا السيوف ومضمرات | | سواء هن فينا والـعـيال |
تعادى شزباً مثل السعالـي | | ومن زير الحديد لها نعال |
وقال أيضاً، ويروى لنجدة الخفاجي:
لقد منع الفرائض عن عقيل | | بطعن تحت ألوية وضرب |
ترى منه المصدق يوم وافى | | أطل على معاشره بصلب |
يقول لي المفتي: قال أبو عمرو في أخباره: ونظر بعض فقهاء أهل مكة إلى القحيف، وهو يحد النظر إلى امرأة، فنهاه عن ذلك، وقال له: أما تتقي الله ؟ تنظر هذا النظر إلى غير حرمة لك وأنت محرم ؟ فقال القحيف:
أقسمت لا أنسى وإن شطت النوى | | عرانينهن الشم والأعين النـجـلا |
ولا المسك من أعطافهن ولا البرى | | ضممن وقد لوينها قضبـاً خـدلا |
يقول لي المفتي وهـن عـشـية | | بمكة يلمحن المهدبة السـحـلا : |
تق الله لا تنظر إليهـن يا فـتـى | | وما خلتني في الحج ملتمساً وصلا |
وإن صبا ابن الأربعـين لـسـبة | | فكيف من اللائي مثلن بنا مـثـلا |
عواكف بالبيت الحـرام وربـمـا | | رأيت عيون القوم من نحوها نجلا |
كففنا عن بني ذهـل | | وقلنا: القوم إخـوان |
عسى الأيام أن يرجع | | ن قوماً كالذي كانوا |
فلما صرح الـشـر | | وأمسى وهو عريان |
ولم يبق سوى العدوا | | ن دناهم كما دانـوا |
الشعر: للفند الزماني، والغناء: لعبد الله بن دحمان، خفيف رمل بالبنصر، عن بذل والهشامي وابن المكي.
وتمام هذا الشعر :
شددنا شـدة الـلـيث | | غدا والليث غضبـان |
بضرب فيه تفـجـيع | | وتـأييم وإرنـــان |
وطعن كفـم الـزق | | غذا والـزق مـلآن |
وفي العدوان للعـدوا | | ن توهـين وإقـران |
وبعض الحلم عند الجه | | ل لـلـذلة إذعـان |
وفي الشر نجاة حـي | | ن لا ينجيك إحسـان |
قوله: دناهم كما دانوا، أي جزيناهم .
ومثله قول الآخر:
إنا كذاك ندين الناس بالدين |
والتأييم : ترك الناس أيامى. والإرنان والرنة: البكاء والعويل.
والإقران: الطاقة للشيء، قال الله عز وجل: " وما كنا له مقرنين " أي مطيقين.
أخبار الفند الزماني ونسبهالفند: لقب غلب عليه، شبه بالفند من الجبل، وهو القطعة العظيمة ، لعظم خلقه.
واسمه: شهل بن شيبان بن ربيعة بن زمان بن مالك بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
وكان أحد فرسان ربيعة المشهورين المعدودين، وشهد حرب بكر وتغلب وقد قارب المائة السنة ، فأبلى بلاءً حسناً، وكان مشهده في يوم التحالق الذي يقول فيه طرفة:
سائلوا عنا الذي يعرفـنـا | | بقوانا يوم تحلاق اللـمـم |
يوم تبدي البيض عن أسؤقها | | وتلف الخيل أعراج النعـم |
وقد مضى خبره في مقتل كليب .
فأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه قال: أرسلت بنو شيبان في محاربتهم بني تغلب إلى بني حنيفة يستنجدونهم ، فوجهوا إليهم بالفند الزماني في سبعين رجلاً ، وأرسلوا إليهم إنا قد بعثنا إليكم ألف رجل .
وقال ابن الكلبي: لما كان يوم التحالق أقبل الفند الزماني إلى بني شيبان، وهو شيخ كبير قد جاوز مائة سنة، ومعه بنتان له شيطانتان من شياطين الإنس ، فكشفت إحداهما عنها وتجردت، وجعلت تصيح ببني شيبان ومن معهم من بني بكر :
وعا وعا وعا وعا . |
حر الجواد والتظى . |
وملئت منه الربا . |
يا حبذا يا حبذا. |
الملحقون بالضحى . |
ثم تجردت الأخرى وأقبلت تقول:
إن تقبلوا نعانـق | | ونفرش النمارق |
أو تدبروا نفارق | | فراق غير وامق |
قال: والتقى الناس يومئذ، فأصعد عوفد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ، ابنته على جمل له في ثنية قضة ، حتى إذا توسطها ضرب عرقوبي الجمل، ثم نادى:
أنا البرك أنا البرك |
أنزل حيث أدرك |
ثم نادى: ومحلوفة لا يمر بي رجل من بكر بن وائل إلا ضربته بسيفي هذا، أفي كل يوم تفرون فيعطف القوم؟ فقاتلوا حتى ظفروا فانهزمت تغلب.
قال ابن الكلبي: ولحق الفند الزماني رجلاً من بني تغلب يقال له: مالك بن عوف، قد طعن صبياً من صبيان بكر بن وائل، فهو في رأس قناته، وهو يقول: يا ويس أم الفرخ، فطعنه الفند وهو وراءه ردف له فأنفذها جميعاً وجعل يقول:
أيا طعنة مـا شـيخ | | كبير يفـن بـالـي |
تفتـيت بـهـا إذ ك | | ره الشكة أمثـالـي |
تقيم المأتم الأعـلـى | | على جهد وإعـوال |
كجيب الدفنس الورها | | ء ريعت بعد إجفال |
ويروى: قد ريعت بإجفال .
أخبار عبد الله بن دحمانعبد الله بن دحمان الأشقر المغني.
وقد تقدم خبر أبيه وأخيه الزبير .
وكان عبد الله في جنبة إبراهيم بن المهدي ومتعصباً له، وكان أخوه الزبير في جنبة إسحاق الموصلي ومتعصباً له، فكان كل واحد منهما يرفع من صاحبه ويشيد بذكره فعلا الزبير بتقديم إسحاق له، لتمكن إسحاق وقبول الناس منه، ولم يرتفع عبد الله بذكر إبراهيم له ، مع غض إسحاق منه، وكان الزبير على كل حال يتقدم أخاه عبد الله.
فأخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، قال: كان أبي كثيراً ما يقول: ما رأيت أقل عقلاً ومعرفةً ممن يقول: إن دحمان كان فاضلاً، والله ما يساوي غناؤه كله فلسين ، وأشبه الناس به صوتاً وصنعةً وبلادةً وبرداً : ابنه عبد الله، ولكن المحسن - والله - المجمل المؤدي الضارب المطرب: ابنه الزبير.
وقال يوسف بن إبراهيم: كان أبو إسحاق يؤثر عبد الله بن دحمان ويقدمه، وإذا صنع صوتاً عرضه على أبي إسحاق فيقومه له ويصلحه، مضادة لأخيه الزبير في أمره، لميل الزبير إلى إسحاق وتعصبه له، وأوصله إلى الرشيد مع المغنين، عدة مرات، أخرج له في جميعها جائزة.
أقول لما أتاني ثـم مـصـرعـه | | لا يبعد الرمح ذو النصلين والرجل |
التارك القرن مصفراً أنـامـلـه | | كأنه من عقار قـهـوة ثـمـل |
ليس بعل كبـير لا شـبـاب لـه | | لكن أثيلة صافي الوجه مقتـبـل |
يجيب بعد الكرى لـبـيك داعـيه | | مجذامة لهواه قلـقـل عـجـل |
قوله: لا يبعد الرمح، يعني ابنه الذي رثاه، شبهه بالرمح في نفاذه وحدته.
والنصلان : السنان والزج.
والرجل : يعني به ابنه أيضاً من الرجلة ، يصفه بها، أو أنه عنى: لا يبعد الرجل ورمحه.
والعل: الكبير السن الصغير الجسم، ويقال أيضاً للقراد: عل.
والمقتبل: المقبل .
وقوله: مجذامة لهواه، يعني أنه يقطع هواه ولا يتبعه فيما يغض من قدره.
وقلقل: خفيف سريع، والمتقلقل: الخفيف .
الشعر للمتنخل الهذلي. والغناء: لمعبد، وله فيه لحنان: أحدهما من القدر الأوسط من الثقيل الأول، بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، عن إسحاق، والآخر خفيف ثقيل بالبنصر، عن عمرو.
وذكر الهشامي أن فيه للغريض لحناً من الثقيل ، ابتداؤه:
الذي بعده: إن لجميلة فيه خفيف ثقيل. وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى ابن سريج، وأظنه ليحيى المكي .
وقال حبش: فيه لعبد الله بن العباس ثقيل أول بالبنصر.
أخبار المتنخل ونسبهالمتنخل لقب، واسمه مالك بن عويمر بن عثمان بن سويد بن حبيش ، بن خناعة بن الديل بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
هذه رواية ابن الكلبي وأبي عمرو.
وروى السكري عن الرياشي عن الأصمعي، وعن ابن حبيب، عن أبي عبيدة وابن الأعرابي: أن اسمه مالك بن عويمر بن عثمان بن حبيش بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان بن هذيل، ويكنى أبا أثيلة.
من شعراء هذيل فحولهم وفصحائهم.
وهذه القصيدة يرثي بها ابنه أثيلة، قتلته بنو سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر.
وكان من خبر مقتله فيما ذكر أبو عمرو الشيباني: أنه خرج في نفر من قومه يريد الغارة على فهم، فسلكوا النجدية ، حتى إذا بلغوا السراة أتاه رجل فقال: أين تريدون؟ قالوا : نريد فهماً فقال: ألا أدلكم على خير من ذلكم ، وعلى قوم دارهم خير من دار فهم ؟ هذه دار بني حوف عندكم، فانصبوا عليهم على الكداء حتى تبيتوا بني حوف. فقبلوا منه وانحرفوا عن طريقهم، وسلكوا في شعب في ظهر الطريق حتى نفذوه، ثم سلكوا على السمرة، فمروا بدار " بني قريم " بالسرو وقد لصقت سيوفهم بأغمادهم من الدم، فوجدوا إياس بن المقعد في الدار، وكان سيداً، فقال: من أين أقبلتم؟ فقالوا: أتينا بني حوف، فدعا لهم بطعام وشراب، حتى إذا أكلوا وشربوا دلهم على الطريق وركب معهم، حتى أخذوا سنن قصدهم، فأتوا بني حوف، وإذا هم قد اجتمعوا مع بطن من فهم للرحيل عن دارهم فلقيهم أول من الرجال على الخيل فعرفوهم، فحملوا عليهم وأطردوهم ورموهم، فأثبتوا أثيلة جريحاً ومضوا لطيتهم. وعاد إليه أصحابه فأدركوه ولا تحامل به، فأقاموا عليه حتى مات، ودفنوه في موضعه.
فلما رجعوا سألهم عنه المتنخل ، فدامجوه وستروه.
ثم أخبره بعضهم بخبره، فقال يرثيه:
ما بال عينك تبكي دمعها خضـل | | كما وهي سرب الأخراب منبزل |
لا تفتأ الدهر من سـح بـأربـعة | | كأن إنسانها بالصاب مكـتـحـل |
تبكي على رجل لم تبـل جـدتـه | | خلى عليها فجاجاً بينهـا خـلـل |
وقد عجبت وهل بالدهر من عجب | | أني قتلت وأنت الحازم البطـل؟ |
ويل أمه رجلاً تأبى به غبناً | | إذا تجرد لا خال ولا بخل |
- خال: من الخيلاء. ويروى: خذل -.
السالك الثغرة اليقظان كـالـئهـا | | مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل |
والتارك القرن مصفراً أنـامـلـه | | كأنه من عقار قـهـوة ثـمـل |
مجدلاً يتـسـقـى جـلـده دمـه | | كما يقطر جذع الدومة القـطـل |
ليس بعل كبـير لا شـبـاب بـه | | لكن أثيلة صافي الوجه مقتـبـل |
يجيب بعد الكرى لـبـيك داعـيه | | مجذامة لهواه قلـقـل عـجـل |
حلو ومر كعطف القدح مـرتـه | | في كل آن أتاه اللـيل ينـتـعـل |
فاذهب فأي فتىً في الناس أحرزه | | من حتفه ظلم دعـج ولا جـبـل |
فلو قتلت ورجلي غير كـارهة ال | | إدلاج فيها قبيض الشد والنـسـل |
إذن لأعملت نفسي في غزاتـهـم | | أو لابتعثت به نوحـاً لـه زجـل |
أقول لما أتاني الـنـاعـيان بـه: | | لا يبعد الرمح ذو النصلين والرجل |
رمح لنا كان لم يفلل نـنـوء بـه | | توفى به الحرب والعزاء والجلل |
رياء شماء لا يدنو لـقـلـتـهـا | | إلا السحاب وإلا النوب والسـبـل |
وقال أبو عمرو الشيباني: كان عمرو بن عثمان، أبو المتنخل يكنى أبا مالك، فهلك، فرثاه المتنخل فقال:
ألا من ينادى أبا مالـك | | أفي أمرنا أمره أم سواه |
فوالله ما إن أبو مـالـك | | بوان ولا بضعيف قواه |
ولا بـألـد لـه نـازع | | يعادي أخاه إذا ما نهـاه |
ولـكـنـه هـين لـين | | كعالية الرمح عرد نساه |
إذا سدته سدت مطواعة | | ومهما وكلت إليه كفاه |
أبو مالك قاصر فقـره | | على نفسه ومشيع غناه |
حدثني أبو عبيد الصيرفي قال: حدثنا الفضل بن الحسن البصري قال: حدثنا أحمد بن راشد قال: حدثني عمي سعيد بن هيثم قال: كان أبو جعفر محمد بن علي - عليهما السلام - إذا نظر إلى أخيه زيد تمثل:
لعمرك ما إن أبو مالك | | بواه ولا بضعيف قواه |
ولا بـألـد لـه نـازع | | يعادي أخاه إذا ما نهاه |
ولـكـنـه هـين لـين | | كعالية الرمح عرد نساه |
إذا سدته سدت مطواعة | | ومهما وكلت إليه كفاه |
أبو مالك قاصر فقـره | | على نفسه ومشيع غناه |
ثم يقول: " لقد أنجبت أم ولدتك يا زيد، اللهم اشدد أزري بزيد ".
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا الرياشي، عن الأصمعي قال: أجود طائية قالتها العرب قصيدة المتنخل:
عرفت بأجدث فنطف عرق | | علامات كتحبير النـمـاط |
كأن مزاحف الحيات فيهـا | | قبيل الصبح أثار السـياط |
في هذين البيتين غناء .
عجبت بسعي الدهر بيني وبينهـا | | فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر |
فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى | | وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر |
ويا حبها زدني جوى كـل لـيلة | | ويا سلوة الأيام موعدك الحشـر |
أما والذي أبكى وأضحك والـذي | | أمات وأحيا والذي أمره الأمـر |
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى | | أليفين منها لا يروعهما الزجـر |
الشعر: لأبي صخر الهذلي. والغناء: لمعبد في الأول والثاني من الأبيات، ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو، ولابن سريج في الرابع والخامس ثقيل أول ولعريب فيهما أيضاً ثقيل أول أخر، وهو الذي فيه استهلال، وللواثق فيهما رمل، ولابن سريج أيضاً ثاني ثقيل في الثالث وما بعده، عن أحمد بن المكي، وذكر ابن المكي أن الثقيل الثاني بالوسطى لجده يحيى المكي.
أخبار أبي صخر الهذلي ونسبههو عبد الله بن سلم السهمي، أحد بني مرمض .. وهذا أكثر ما وجدته من نسبه في نسخة السكري، وهي أتم النسخ مما يأثره عن الرياشي عن الأصمعي، وعن الأثرم عن أبي عبيدة، وعن ابن حبيب، وعن ابن الأعرابي.
وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، وكان موالياً لبني مروان ، متعصباً لهم، وله في عبد الملك بن مروان مدائح ، وفي أخيه عبد العزيز، وعبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد.
وحبسه ابن الزبير إلى أن قتل.
فأخبرني يحيى بن أحمد بن الجون، مولى بني أمية - لقيته بالرقة - قال: حدثني الفيض بن عبد الملك قال: حدثني مولاي عن أبيه، عن مسلمة بن الوليد القرشي، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: لما ظهر عبد الله الزبير بالحجاز وغلب عليها، بعد موت يزيد بن معاوية، وتشاغل بنو أمية بالحرب بينهم في مرج راهط وغيره، دخل عليه أبو صخر الهذلي، في هذيل .
وقد جاءوا ليقبضوا عطاءهم ، وكان عارفاً بهواه في بني أمية، فمنعه عطاءه، فقال: علام تمنعني حقاً لي؛ وأنا امرؤ مسلم، ما أحدثت في الإسلام حدثاً ولا أخرجت من طاعة يداً؟ قال: عليك بني أمية فاطلب عندهم ، عطاءك.
قال: إذن أحدهم سباطا أكفهم، سمحةً أنفسهم، بذلاء لأموالهم وهابين لمجتديهم، كريمةً أعراقهم، شريفةً أصولهم، زاكيةً فروعهم، قريباً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسبهم وسبهم، ليسوا إذا نسبوا بأذناب ولا وشائظ ولا أتباع، ولا هم في قريش كفقعة القاع، لهم السؤدد في الجاهلية، والملك في الإسلام، لا كمن لا يعد في عيرها ولا نفيرها ، ولا حكم آباؤه في نقيرها ولا قطميرها ، ليس من أحلافها المطيبين ، ولا من ساداتها المطعمين، ولا من جودائها الوهابين، ولا من هاشمها المنتخبين، ولا عبد شمسها المسودين، وكيف تقابل الرؤوس بالأذناب؟ وأين النصل من الجفن؟ والسنان من الزج؟ والذنابى من القدامى؟ وكيف يفضل الشحيح على الجواد، والسوقة على الملك، والمجيع بخلاً على المطعم فضلاً؟ فغضب ابن الزبير حتى ارتعدت فرائصه، وعرق جبينه، واهتز من قرنه إلى قدمه وامتقع لونه، ثم قال له : يا بن البوالة على عقبيها، يا جلف، يا جاهل، أما والله لولا الحرمات الثلاث: حرمة الإسلام، وحرمة الحرم، وحرمة الشهر الحرام، لأخذت الذي في عيناك.
ثم أمر به إلى سجن عارم ، فحبس به مدة، ثم استوهبته هذيل ومله بين قريش خؤولة في هذيل، فأطلقه بعد سنة وأقسم ألا يعطيه عطاءً مع المسلمين أبداً.
فلما كان عام الجماعة وولي عبد الملك وحج، لقيه أبو صخر فلما رآه عبد الملك قربه وأدناه، وقال له: إنه لم يخف علي خبرك " مع الملحد " ولا ضاع لك عندي هواك وموالاتك ؛ فقال: أما إذ شفى الله منه نفسي ، ورأيته قتيل سيفك؛ وصريع أوليائك، مصلوباً مهتوك الستر، مفرق الجمع ، فما أبالي ما فاتني من الدنيا.
ثم استأذنه أبو صخر في الإنشاد، فأذن له، فمثل بين يديه قائماً ، ولأنشأ يقول :
عفت ذا عرق عصلها فرئامـهـا | | فدهناؤها وحش أجلى سوامـهـا |
على أن مرسى خيمة خف أهلهـا | | بأبطح محلال وهيهات عامـهـا |
إذا اعتلجت فيها الرياح فأدرجـت | | عشياً جرى في جانبيها قمامـهـا |
وإن معاجي في الديار وموقـفـي | | بدارسة الربعين بال ثمـامـهـا |
لجهل ولكني أسـلـي ضـمـانة | | يضعف أسرار الفؤاد سقامـهـا |
فأقصر فلا ما قد مضى لك راجع | | ولا لذة الـدنـيا يدوم دوامـهـا |
وفد أمير المؤمنين الـذي رمـى | | بجأواء جمهور تسيل إكـامـهـا |
من أرض قرى الزيتون مكة بعدما | | غلبنا عليها واستحل حـرامـهـا |
يقول: رمى مكة بالرجال من أهل الشام، وهي أرض الزيتون .
وإذا عاث فيها الناكثون وأفـسـدوا | | فخيفت أقاصيها وطار حمامـهـا |
فشج بهم عرض الفلاة تعـسـفـاً | | إذ الأرض أخفى مستواها سوامها |
فصبحتهم بالخيل تزحف بالـقـنـا | | وبيضاء مثل الشمس يبرق لامهـا |
لهم عسكر ضافي الصفوف عرمرم | | وجمهورة يثني العدو انتقـامـهـا |
فطهر منهم بطـن مـكة مـاجـد | | أبي الضيم والميلاء حين يسامهـا |
فدع ذا وبشر شاعـري أم مـالـك | | بأبيات ما خزي طويل عرامـهـا |
شاعري أم مالك: رجلان من كنانة كانا مع ابن الزبير، يمدحانه ويحرضانه على أبي صخر، لعداوة كانت بينهما وبينه .
فإن تبد تجدع منـخـراك بـمـدية | | مشرشرة حرى حديد حسامـهـا |
وإن تخف عنا أو تخف من أذاتنـا | | تنوشك نابا حـية وسـمـامـهـا |
فلولا قريش لاسترقت عجـوزكـم | | وطال على قطبي رحاها احتزامها |
قال: فأمر له عبد الملك بما فاته من العطاء ، ومثله صلة من ماله، وكساه وحمله.
ونسخت من كتاب أبي سعيد السكري، عن محمد بن حبيب، عن ابن الأعرابي وأبي عبيدة قالا: كان أبو صخر الهذلي منقطعاً إلى أبي خالد عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد ، مداحاً له، فقال له يوما: ارثني يا أبا صخر، وأنا حي ، حتى أسمع كيف تقول، وأين مراثيك لي بعدي من مديحك إياي في حياتي؟ فقال: أعيذك بالله يا أيها الأمير من ذلك ، بل يبقيك الله ويقدمني قبلك، فقال: ما من ذلك بد. قال: فرثاه بقصيدته التي يقول فيها:
أبا خالد نفسي وقت نفسك الـردى | | وكان بها من قبل عثرتك العثـر |
لتبكك يا عبد الـعـزيز قـلائص | | أضر بها نص الهواجر الـزجـر |
سمون بنا يجتـبـن كـل تـنـوفة | | تضل بها عن بيضهن القطا الكدر |
فما قدمت حتى تواتـر سـيرهـا | | وحتى أنيخت وهي ظالـعة دبـر |
ففرج عن ركبانها الهم والطـوى | | كريم المحيا ماجد واجد صـقـر |
أخو شتوات تقتـل الـجـوع داره | | لمن جاء لا ضيق الفناء ولا وعر |
ولا تهنئ الفـتـيان بـعـدك لـذة | | ولا بل هام الشامتين بك القـطـر |
وإن تمس رمساً بالرصـافة ثـاوياً | | فما مات يا بن العيص نائلك الغمر |
وذي ورق من فضل مالك مـالـه | | وذي حاجة قدر شت ليس له وفر |
فأمسى مريحاً بعد ما قـد يؤوبـه | | وكل به المولى وضاق به الأمـر |
قال: فأضعف له عبد العزيز جائزته ووصله، وأمر أولاده فرووا القصيدة.
وقال أبو عمرو الشيباني: كان لأبي صخر ابن يقال له داود لم يكن له ولد غيره، فمات، فجزع عليه جزعاً شديداً حتى خولط، فقال يرثيه:
لقد جاهني طيف لداود بـعـدمـا | | دنت فاستقلت تاليات الكـواكـب |
وما في ذهول النفس عن غير سلوة | | رواح من السقم الذي هو غالبـي |
وعندك لو يحيا صداك فنلـتـقـي | | شفاء لمن غادرت يوم التناضـب |
فهل لك طب نافعي مـن عـلاقة | | تهيمني بين الحـشـا والـتـرائب |
تشكيتها إذ صدع الدهر شعـبـنـا | | فأمست وأعيت بالرقي والطبـائب |
ولولا يقيني أن الـمـوت عـزمة | | من الله حتى يبعثوا للمـحـاسـب |
لقلت له فيمـا ألـم بـرمـسـه: | | هل أنت غداً غاد معي فمصاحبي |
وماذا ترى في غائب لا يغـبـنـي | | فلست بـنـاسـيه ولـيس بـآئب |
[td:34c5 id=PoLeftC
|