الجمال هبة من الله ، يمنح المرأة السطوة ويعطيها تصريحاً بالمرور من كل بوابات الحياة ، وعرش الجمال قد يصبح أقوى من عرش الملوك إذا نجحت صاحبته في إظهاره وتفننت في وسائل أبرازة والمحافظة عليه ، وكم من ملك تنازل عن عرشه مختاراً لكي يحتفظ بمحبوبته الجميلة التى يؤثرها على كل نفيس وغالي ، وكم من امرأة جميلة أستطاعت بسحرجمالها أن تملك القلوب والألباب ، وتنصب نفسها أميرة وتجلس على عرش السلطة ، لعل المرأة الفرعونية هى أول نساء العالم اللاتى أستطعن أن يفعلن ذلك ، فهى أول ملكة حكمت من فوق عرش جمالها ، وهى صاحبة الفضل الأول فى تعليم نساء الأرض كيفية اظهار جمالهن ليكون سلاحهن الأساسي فى مواجهة سيطرة الرجل وقسوة الحياة ، ولقد فطنت المرأة الفرعونية منذ آلاف السنين لمواهبها الدفينة ، وتفوقت على نساء العالم في أستخدام كل ما يبرز هذه المواهب ويظهرها فى أفضل صورة وأجمل شكل ، وهي التى أثبتت منذ البداية أن لكل امرأة جمالها الخاص ، وأنه لاتوجد فى العالم أمرأة قبيحة ، لكن هناك امرأة تجهل أصول التجمل ، ولا تعرف أسرار الجمال التى تتخلص عند المرأة الفرعونية في ثلاث جمل بسيطة وهي : البشرة النضرة الصافية ، والعيون الجميلة الساحرة ، والشعر النظيف المهذب ، أما مفتاح هذا الكنز فيمكن تلخيصه في كلمة واحدة هى ((الطبيعة)) .
مفتاح الكنزلقد أثبتت النقوش والرسوم التى زينت بها المعابد والمقابر أن قدماء المصريين فهموا الحياة بأفضل وجه ، وكانت أدوات الزينة ومواد التجميل التى وجدت فى هذه المقابر شاهداً على ذلك ، كما تفنن الفنان المصرى في نحت أدوات الزينة وقوارير العطور والكحل ومساحيق التجميل ليقدم دليلاً آخر على ماتمتعت به المرأة الفرعونية من مكانة وأهتمام فى مجتمعها ، ويبدو أن المصري القديم كان حريصاً كل الحرص على تقديم أدوات الزينة ومساحيق التجميل والعطور كهدايا غالية لامرأته لتصبح فى أجمل صوره تسر قلبه وتسعده ، ولعل المرأة الفرعونية بدورها أدركت أهمية جمالها ، فمن ثم حرصت على أظهاره ، ويحكي التاريخ عن أشهر الملكات الفرعونيات اللاتي أدركن سر جمالهن وبرعن فى أبرازه وأستغلاله فى تحقيق النفوذ والسطوة لدى الرجال ، مثل ((كليوباترا )) و ((نفرتيتي)) و ((حتشبسوت )) ، وأن جمالهن لايزال حتى الآن منبعاً لإلهام الفنانين والمبدعين وخبراء التجميل ، فالتراث الفرعوني في الجمال ، تراث غني وحافل ، لايزال العالم كله يدرسه ويقتبس منه إلى يومنا هذا رغم التقدم الهائل الذي تحقق في هذا المجال .
أقنعة للبشرةالمرآة الفرعونية تعاملت مع كنوز جمالها بذكاء شديد حيث كانت تتفنن في إظهاره والحفاظ عليه في نفس الوقت ، فلقد أهتمت ببشرتها بصورة فائقة وأبتدعت لها أقنعة العناية بالبشرة بهدف تقويتها وتجديد شبابها وأمدادها بالعناصر اللازمة لها ، فأستخدمت لذلك ((الغرين)) الذى تحمله مياه النيل في فترة الفيضان وتجلب معه الخصوبة والخير والنماء للأرض .
وقد أتجهت البيوت العالمية للتجميل في هذا العصر لأستخدام نوع من الطين الذى تتوافر فيه العناصر الطبيعية والمعدنية سهلة الأمتصاص لعمل أقنعة للبشرة لتقويتها والمحافظة على نضارتها وليونتها وصفائها ، كما كانت المرأة الفرعونية تستخدم قناع عسل النحل ومطحون الحلبة والأعشاب ، وعندما أدركت أن بشرتها تحتاج لرعاية وأهتمام أكبر أستخدمت الكثير من الزيوت النباتية لترطيبها وتغذيتها كزيت ((البابونج)) ، الذي بدأت بيوت التجميل فى أستخدامه الآن كعنصر أساسي للعديد من أقنعة البشرة المغذية والتي ليس لها آثار جانبية ، كما استخدمت المرأة الفرعونية زيت الخروع وزيت زهرة اللوتس ، وهما يستخدمان حالياً على نطاق واسع للعناية بالبشرة الدهنية ، أمازيت الحلبة الذي اثبتت التجارب فاعليته في مقاومة التجاعيد والقضاء على النمش فقد أستخدمته الملكة ((كليوباترا)) للعناية ببشرتها و الحفاظ على شبابها .
من الواضح أن المرأة الفرعونية لم تكن تهتم بجمال وجهها فقط ، بل كان لنعومة جسدها أيضاً أهتمام خاص ، فلقد حرصت على التخلص من الشعر الزائد به من خلال شفرات حادة صنعت من معادن مختلفة أو أحجار شديدة الصلابة ، وقد عثر بمقبرة أم الملك (خوفو) على شفرات صنعت من الحجر محفوظة فى أكياس من الجلد ، كما عثر على بعض الأدوات الدقيقة والأحجار الأسفنجية التى كانت تستخدم لتنعيم الكعبين وتنظيف وتهذيب الأظافر ، ويؤكد خبراء التجميل والآثار الفرعونية أن المرآة الفرعونية تعاملت مع مستحضرات التجميل بوعى وأدراك ، وبلا مبالغة ودون أن تخفى ملامح وجهها أو لون بشرتها الطبيعى بل وتضفى عليها مزيداً من الجمال ، وكانت تستخدم لذلك الحجر الثلجى أو السيلكا بعد طحنها ووضعها فى أوعية خاصة للأستخدام ، ولإضفاء المزيد من الحيوية على وجهها كانت تلون وجنتيها بلون وردى تحصل عليه من الأكاسيد الطبيعية كأكسيد الحديد الأحمر أوثمار الرمان الجافة .
كما كانت تلون شفتيها بلون أحمر داكن وذلك باستخدام مزيج من الأكاسيد الطبيعية وبعض ((الراتنجات)) والدهون للمحافظة على ليونة الطلاء والشفاه وإكسابها بريقاً مميزاً ، كما أنها أستخدمت فرشاة خاصة لتحديد الشفاه قبل طلائها وهو ما نعتبره حالياً أحدث صيحات الموضة ، وتوجد فى متحف تورينو بإيطاليا بردية عليها رسم لسيدة مصرية تمسك بيديها فرشاة لتحديد الشفاه قبل طلائها .
العيون الساحرةأما عيون المرآة الفرعونية فكانت توليها اهتماماً خاصاً جداً ، بإعتبارها المرآة التى تطل منها على العالم ، وعيون المرأة الفرعونية ذات جمال أخاذ عرفه العالم من خلال النقوش والرسوم الجدارية التي أبرزت أبداع المرأة الفرعونية فى رسم خطوط العين في أنسجام وتوافق رائع مع خطوط الحاجبين ، بأستخدام الكحل وظلال للعيون والتي حصلت عليهما من مصادر متنوعة ، ولقد عرفت المرأة الفرعونية كحل ((الملاخيت)) وهو خام أخضر مائل للزرقة من خامات النحاس يوجد فى سيناء والصحراء الشرقية ، وكحل ((الجالينا)) وهو خام من خامات الرصاص يتوافر بكثرة فى جنوب الوادي بالقرب من أسوان والصومال ، والكحل البلدى ((السناج)) وهو مركب أسود من الدخان ، يتم تحضيره باحراق بذورالكتان أوقشر اللوز .
تاج المرآة الفرعونية
وعرفت مصر القديمة مهنة تصفيف الشعر ، وكانت ((الكوافير)) تسمى ((نشت)) التي تتلخص مهمتها في إعداد التسريحات وتهذيب الشعر ونظافتة ، والآثار المصرية حافلة بالعديد من التماثيل والرسوم للمرأة الفرعونية بتسريحات مختلفة موجودة في العصر الحالى كالكاريه والبانك والشعر المسدل والشعر المجعد ، والمتدرج ، والقصير ، والجدائل ، وكانت المرأة الفرعونية تغير تسريحة شعرها من وقت لآخر ، حيث شاع في ذلك الوقت أستخدام الشعر المستعار الذي عرفتة المرأة الفرعونية بجميع أشكاله كالخصلات والحشو والباروكات ، كما عرفت مثبتات متنوعة للشعر من المواد ((الراتنجية)) والدهون الحيونية بالإضافة الى المثبتات المعدنية الجميلة ، ولقد تغلبت المرأة الفرعونية على مشاكل شعرها بأسلوب علمي ، فتخلصت من مشاكل الشعر المجعد بأستخدام مجموعة من الزيوت الطبيعية منها زيت الخروع وزيت الزيتون المضاف إليه خام الحديد وذلك لأكساب الشعر النعومة والبريق ، ويعرف هذا المركب حالياً باسم ((البرماننت)) ، ولترطيب شعرها وتغذيته أستخدمت الأعشاب والمواد الحيوانية مثل الحنة وخشب الصندل والمسك والعنبر وعملت بها عجائن تبسط فوق شعرها فتزيد من حيويته ونعومته ، كما عرفت تلوين الشعر وصباغته بألوان جميلة زاهية بأستخدام الأعشاب الطبيعية .
ويبدو أن المرأة الفرعونية لم تكتف بجمال وجهها وشعرها ، بل أدركت بذكائها وفطنتها أن هذا الجمال لن يكتمل الا بجسد جميل التكوين والقوام ، ومن ثم حرصت على ممارسة الرياضة وشاركت فى حفلات الرقص لتكتسب الرشاقة والتوافق العضلي ، كما أنها لم تنس عطورها لتصبح كالزهرة الجميلة اليانعة وكان العطر ((المنديسي)) من أشهر العطور لدى المرأة الفرعونية وأغلاها ثمناً لما يحتويه من مواد عطرية وزيوت خاصة ، فالعطر هو خير زاد لجسدها وجمالها وروحها .